عشرة ‏أيام ‏في ‏مصحة ‏عقلية ‏- ‏تأليف ‏نيلي ‏بلاي (كامل)‏

عشرة أيام في مستشفى الأمراض العقلية
تأليف نيلّي بلاي
ترجمة للعامية: شيرين هنائي
غلاف الترجمة المصرية: مي جمال

الفصل الأول
مهمة حساسة

في يوم 22 سبتمبر، إتطلب مني م شغلي في جريدة "العالم" إني اُلحق نفسي بمستشفى أمراض عقلية في نيويورك بغرض عمل تحقيق صحفي عن المخالفات الصريحة والقصص الغريبة اللي بتدور عن أساليب علاج وإدارة المستشفى.
هل أنا كان عندي الجرأة لده؟ هل كنت أقدر أمثل إني مجنونة وأعدي الفحص الطبي وأعيش هناك إسبوع مثلا والاحظ وأتقصى من غير ما حد يخد باله؟! الصراحة كنت مؤمنة إني أقدر، فأنا مثلت قبل كده وأقدر أمثل أعراض الجنون لفترة كافية أخلص فيه مهمتي. هاقدر أقعد إسبوع كامل؟ قلت ساعتها إني أقدر، وفعلا قدرت.
التعليمات الي كانت عندي بسيطة، التحق بالمستشفى في الوقت الي أكون مستعدة فيه، وبمجرد ما أدخل أبدأ تحقيقاتي وتسجيل كل حاجة تمر بيا أو بالمرضى بدقة. كمان أحاول أتحرى أشكال المخالفات الإدارية والعلاجية وإللي متوقع تكون مخفية ورا تمريض وقضبان عن مرآى أي حد.
قالوا لي في الجريدة:
"مش مطلوب منك تكتبي قصة موحية تداعب المشاعر. الامر ببساطة إنك هاتسجلي كل حاجة تشوفيها حلوة أو وحشة، إنتقدي أو إمدحي زي ما تشوفي..المهم الحقيقة تكون ظاهرة قدام القراء في تحقيقك. المهم..أنا متخوف من ابتسامتك الدايمة دي."
" مش هابتسم تاني..وعد"
ومشيت من الشغل وكلي عزم على بدأ مهمتي الحساسة والصعبة.
لو قدرت أدخل المصحة، وده غالبا مش صعب، ماعنديش فكرة هاقابل إيه جوه غير الي بنسمعه من حكايات عن المكان ده وعن سوء إدارته وعن العنف والقسوة تحت سقفه. لكني كنت مهتمة بالموضوع ده بشكل شخصي. فلالمرضى العقليين من أضعف خلق الله وأفترض دايما إنهم يستاهلوا كل رعاية ومحبة. سمعت كتير عن التجازوات الي بتحصل في المؤسسات العلاجية دي، لكن لحد آخر لحظة كنت أتمنى إنها تكون مجرد حكايات ومبالغات مش أكتر.
إرتعدت أما تصورت المرضى معدومي الحيلة بين إيدين حراسهم، وتوسلاتهم علشان يسيبوهم يخروجوا، وكل توسلاتهم دي بلا جدوى. لكني عزمت على قبول المهمة ومعرفة الي بيحصل جوه جدران مصحة جزيرة بلاكويل للمرضى العقليين.
سألت المحرر بتاعي في الجريدة:
" أما أخلص مهمتي، هاتخرجوني إزاي؟"
" مش عارف، بس أكيد نقدر نطلعك لو أعلننا عن هويتك الحقيقية وسبب تسللك للمكان."
كان عندي إيمان كبير في قدرتي على خداع المتخصصين هناك، لكن المحرر مكانش واثق في قدراتي للدرجادي.
سابولي كل التخطيطات أدبرها بنفسي، ماقرروش أي تفاصيل إلا إني هادخل المستشفى تحت إسم نيلّي براون، وده إسم مشابه لإسم شهرتي وده هايسهل عليهم متابعة تحركاتي أو إنقاذي لو وقعت في خطر أو واجهت صعوبات.
إزاي هادخل المستشفى بقا؟ مكانش في إلا طريقتين، الأولى إني أتظاهر بالجنون وأخضع للفحص الطبي على يد طبيبين مختصين من معارفي وهم يحولوني للحجز في المستشفى دي. والطريقة التانية عن طريق البوليس!
بعد تفكير حسيت إنه مش صح أفرض نفسي على معارفي أو أتسبب لهم في حرج عن طريق كتابة تقارير طبية مزورة، ومن ناحية تانية علشان أتقبل في المستشفى لازم أكون فقيرة ومعدمة، وده مش الحال طبعا معايا.
كان أفضل حل إني أدعي إني مُعدمة ومجنونة وماشية بدون هدف في شوارع نيويورك، وفعلا الخطة دي دخلتني المستشفى في سلام وهناك قضيت عشر ايام. وخلوني أقول إني من ساعة ما دخلت المستشفى ونا تخليت عن لعب دور المجنونة وبقيت بتصرف بشكل عادي جدا والغربي إن كا ما كنت بتصرف بعقل كل ما كانوا بيعاملوني على إني مجنونة أكتر! محدش وقف جنبي أو فهمني غير طبيب واحد هناك، ومش هانسى كرمه و طيبته ابدا.
__________________________
الفصل التاني
الاستعداد للإختبار

بعد ما قبلت التحقيق ورجعت لسكني، بدأت استعد لتمثيل دور المجنونة. إزاي هامثل دور زي ده قدام حشد من الناس وأقنعهم إني مريضة عقلية؟ أنا عمري ما كنت قريبة من مرضى عقليين في حياتي ومعنديش أدنى فكرة عن تصرفاتهم وردود أفعالهم. ولسه أما أتعرض على دكاترة المستشفى المتخصصين والي بيكشفوا على عشرات المرضى يوميا، إزاي هاقنعهم هم كمان إني مريضة؟
كنت خايفة مايتخدعوش.
بدأت أحس إن مهمتي مستحيلة التنفيذ، بس كان لازم أنفذها. جريت على مرايتي وبدأت أفتكر كل حاجة عرفتها خلال فترة تدريب على التمثيل وإزاي أمثل دور حد مجنون. أول حاجة كانت العينين، فتحت عينيا وبصيت لنفسي نظرة خاوية من غير ما أرمش. حسيت إن النظرة دي مش مقنعة حتى بالنسبة لي خاصة والدنيل ليل. زودت نور مصباح الجاز أكتر وجربت تاني، فحسيت إن منظري بقا مقنع أكتر واستمريت في أداء النظرة المجنونة طول الليل.
الجو مكانش برد أوي ولا حر، بس طول الوقت كنت بحس بقشعريرة في عمودي الفقري. قضيت أيامي في تمثيل الجنون وقراءة قصص الرعب. ليلة ورا ليلة عدت لحد ما حسيت إني خلاص مستعدة. وفي يوم الصبح أخدت حمامي الي ممكن يكون حمامي الأخير لمدة أيام،  وودعت مكتبي ومقالاتي ولبست الملابس القديمة الي اخترتها لتنكري. كنت ببص لكل حاجاتي نظرة وداع، فوارد جدا ما أقدرش أخرج من المستشفى تاني أو يحصل لي حاجة في رحلتي الغامضة.
فكرتي كانت إني أأجر أوضة في سكن للعاملات، ولو المقيمات هناك أقتنعوا إني مجنونة مش هايهدوا غير أما يتخلصوا مني في مكان آمن ألا وهو مستشفى جزيرة بلاكويل.
إخترت نُزُل للسيدات في نيويورك، واما وصلت هناك وشوفته وشوفت الشارع الي هو فيه، قررت أسرع أكتر في إدعاء الجنون علشان ما أقعدش فيه كتير. كان لازم اسكن في مكان يدل على فقري طبعا وإلا تحويلي لمستشفى بلاكويل مش هاينفع.
___________________________
الفصل الثالث
المنزل المؤقت
بدأت طريقي لمستشفى المجانين بالمشي في الشاعر الي فيه نزل السيدات، وحطيت على وشي نظرة الجنون إياها وأما وصلت النُزُل رنيت الجرس والي كان صوته عالي زي صوت جرس الكنايس. استنيت حد يفتح لي، وأنا بصبر نفسي إني مش هاقعد فيه كتير لحد ما يبلغوا البوليس ياخدني. إتفتح الباب في عصبية، ولقيت قدامي بنت حوالي تلتاشر سنة بشعر أصفر قصير قدامي.
" صاحبة المكان هنا؟"
ردت عليا البنت بصوت قوي وبارد:
" أيوه هنا بس مشغولة، روحي للمدخل الخلفي."
اتبعت التعليمات الي مش مهذبة دي ولقيت نفسي في مدخل مظلم، وهناك إستنيت حد يجيلي. فضلت قاعدة تلت ساعة تقريبا لحد ما ظهرت سيدة نحيلة لابسة فستان غامق سادة ووقفت قدامي وبصت لي كأنها بتقيمني وقالت:
" أفندم؟"
"حضرتك صاحبة المكان؟"
" لا، صاحبة المكان عيانة أنا مساعدتها. عايزة إيه؟"
" عايزة أسكن هنا كم يوم لو أمكنكم إستضافتي."
" ماعنديش أوض فردية، المكان زحمة. ممكن أشوفلك أوضة مع بنت تانية"
" ياريت، أدفع كم؟"
ماكوونتش جايبة معايا أكتر من سبعين سنت، لأني كنت مخططة إنهم يكشفوا جنوني بسرعة وأما مايلاقوش معايا فلوس للإقامة هايسلموني للبوليس.
" الأوضة بتلاتين سنت لليلة."
دفعت ليلة واحدة، خدت مني الفلوس ومشيت وسابتني أسلي نفسي بأي حاجة أو أتفرج على المكان.
المدخل كان معتم وكئيب، وكان فيه قيثارة ودولاب ملابس ومكتب ومكتبة وكم كرسي متناثرين مالهومش علاقة ببعض.
بمجرد ما تجولت شوية في المكان، سمعت صوت جرس شبة صوت جرس الباب، وضوفت ستات نازلة من السلالم من كل أنحاء النُزُل. فهمت إن تقريبا ده وقت الغداء بس ماحدش قال لي إن الغدا جاهز. كنت جعانة فمشيت ورا طابور الجائعات مُتمنية إن حد يعزم عليا حتى.
ظهرت صاحبة المكان وسألتني لو عايزة آكل معاهم، سألتها عن إسمها وقالت لي إنها السيدة ستانارد. دونت إسمها في دفتري الصغير والي بكتب فيه كل حاجة بشوفها في رحلتي.
مشيت ورا السيدة لحد البدروم الي كان في ترابيزات وكراسي للأكل. لقت لي مكان على ترابيزة مع تلات سيدات تانيين.
البنت أم شعر قصير الي فتحت لي الباب كانت بتقوم بدور نادل المطعم، قربت مني وسألتني:
" في لحم خنزير مسلوق ولحم بقري مسلوق وفاصوليا وبطاطس..عايزة شاي ولا قهوة؟"
" لحم بقري وبطاطس وقهوة وعيش."
" كده كده في عيش."
دخلت المطبخ شوية وخرجت بصينية كبيرة عليها الأكل الي طلبته متناثر في إهمال ورمتها قدامي. بدأت آكل وخلاص وأتفرج على الموجودات حواليا.
ده بيت للسيدات العاملات المعدمات، يعني المفروض مكان خيري لكن الي ضايقني إن المكان فعلا وحش، والأرض فاضية مافيش أي سجاد، الترابيزات قديمة ومكسرة ومافيش اي حس جمالي في أي حاجة. الحاجات الي كنت متصورها مش مكلفة خالص لكنها كانت حاجات مهمة علشان سيدات مكافحات زي دول يحسوا إنهم بني آدمين.
بعد ما السيدات خلصوا أكل، كل واحدة منهم أخدت صينيها وراحوا لمكتب قاعدة عليه السيدة ستانارد ودفعلوها، تمن الأكل والمعاملة المقرفة دي كان تلاتين سنت.

____________________________________



بعد ما خلصنا أكل طلعت من البدروم ورجعت مكاني تاني في المدخل الخلفي المظلم. كنت بردانة ومش مرتاحة. كنت عايزة أخلص مهمتي هنا وأمشي أسرع وقت، لكن للأسف كان قدامي طول ليلة مرت عليا في حياتي.  السيدات الي كانوا معايا إنتشروا في المكان وكل واحدة قعدت في حتة ما عدا أنا فضلت واقفة. كانت كل واحدة بتعمل حاجة. لكن واحدة منهم كانت بتهرش شعرها بإستمرار وكل شوية تنادي بصوت واطي "جورجي"، من غير ما تشيل عينيها عن الكتاب الي بتقراه. جروجي كان إبنها الي معاها، وكان شقي جدا وصوته أعلى من اي طفل شوفته في حياتي. كن بيعمل كل شيء يدل على قلة التربية والوقاحة. أمه مكانتش بتنادي عليه علشان يسكت إلا أما حد من الموجودات يشتكي منه. كان في ست تانية كل شوية تنام على روحها وهي قاعدة وتصحى من صوت شخيرها هي نفسها. باقي الستات مكانوش بيعملوا حاجة إلا عدد قليل منهم كانوا بيطرزوا أو بيشتغلوا شغل إبرة.
كان كل شوية جرس الباب يرن وتفضل البنت ام شعر قصير رايحة جاية تفتحه. وكان الي بيدخل منه عشرات السيدات الي بيدوروا على مكان للمبيت ولو لليلة. منهم بس واحدة كانت في رحلة تسوق وكان معاها أولاد.
أما بدأ الليل يدخل جت السيدة ستانارد وقالت لي:
" مالك؟ متضايقة وحزينة كده ليه؟"
"لا أبدا مافيش حاجة. بتسألي ليه؟"
كنت مستغربة من سؤالها جدا، ردت عليا وقالت:
" علشان باين على وشك..ملامحك بتحكي عن هم كبير شايلاه. ماتخليش حاجة تضايقك، كلنا عندنا مشاكل وبتعدي. بتدوري على شغل؟"
" ايوه."
" بتدوري على شغل معين؟"
" مش عارفة..اي حاجة."
" طيب تحبي تشتغلي ممرضة أطفال وتلبسي مريلة بيضا حلوة؟"
رفعت منديلي وغطيت بيه إبتسامتي ورديت عليها وصوتي مكتوم من المنديل:
" أنا عمري ما أشتغلت قبل كده، معرفش التمريض ده عبارة عن إيه."
" لازم تتعلمي..كل الستات الي هنا بيشتغلوا."
رديت عليها بصوت واطي مستغرب:
" فعلا؟ أمال ليه شكلهم مبهدل كده؟ شكلهم مجانين..أنا خايفة منهم أوي!"
" معلش، شكلهم مبهدل بس والله طيبين وشقيانين..محدش هنا مجنون لا سمح الله."
تاني خبيت ابتسامتي بمنديلي، كده ضمنت إنهم يخلصوا مني على طول أول مايكتشفوا جنوني. قلت لها وأنا بحاول أدخل في الجنان:
" لا كلهم شكلهم مجانين..أنا خايف منهم..الدنيا كلها ناس مجانين ومحدش عارفهم..وبعدين في جرايم قتل كتير هم الي بيعملوها والبوليس ما بيمسكش القتلة المجانين دول."
أنهيت كلامي بنشيج يقطع القلوب، وبان على الست إستغراب شديد،وعرفت إن رصاصتي اصابتها. قامت بسرعة من كرسيها وقالت لي:
" هارجعلك بعد شوية."
كنت عارفة إنها مش هاترجع، وفعلا مارجعتش.
أما جه وقت العشا رن جرس تاني، ونزلنا كلنا البدروم علشان نتعشا. كانت الوجبات بواقي الغدا لكن طبعا بكميات أقل وعدد الستات أكتر، لأن كان منهم بيشتغلوا لحد بليل ولسه راجعين من شوية. بعد العشا رجعنا تاني حجرة الإستقبال ومكانتش مكفية إن الكل يقعد.
الضوء الجاي من مصابيح الكيروسين كان شحيح، وغلف كل حاجة بطابع حزين كئيب. بس كان جو مناسب ليا لتقمص دوري الي هايوصلني لوجهتي الأساسية.
بصيت حواليا وإخترت إتنين من الستات الي كان بيان عليهم إجتماعيات وبيحبوا الإختلاط، وقلت لنفسي إنهم ينفعوا كبداية لتمثيليتي. قربت منهم وقلت لهم إني حاسة بالوحدة واستأذنتهم اقعد مع مجموعة الستات الي قاعدين معاهم. سمحوا لي فورا فقعدت معاهم وحاولت اتابع نقاشاتهم الي مافهمتش منها حاجة لأني جاية متأخر. بس كنت من وقت للتاني كنت بقاطعهم واقول لهم إن كل اللي في المكان شكلهم مجانين. بس مكانوش مركزين أوي مع كلامي. واحدة منهم اسمها لسيدة كينج قالت إنها من الجونوب وإن لكنتي جنوبية. قلت لها إني من بوسطون، سألتني عن مواعيد المعديات الي بتطلع من بوسطن. للحظة نسيت دوري كمجنونة وجاوبت عليها وقلت لها المواعيد. سألتني عن الشغل الي عايزة أشتغله وإن كنت إشتغلت قبل كده. جاوبتها إنه مُحزن جدا وجود كل الناس الي بتشتغل دي في العالم. قالت لي إنها ما اتوفقتش في شغلها في نيويورك وهترجع بوسطن تاني علشان كده كانت بتسأل عن المعديّات. أما جت البنت الشغالة في النزل وقالت لنا إن ميعاد النوم جه قلت لها إني خايفة، وأضفت إني شايفة كل الستات الي هنا مجانين. البنت الش شغالة قالت لي إني لازم أطلع أوضتي فطلبت منها أنام على السلم.
" ماينفعش يا آنسة، كده الستات هايحسبوكي مجنونة."
في النهاية استسلمت ومشيت وراها علشان توديني أوضتي.
____________________
هنا لازم أقدم لكم شخصية جديدة في الحكاية، وهي السيدة كين وهي سيدة طيبة شجاعة. جت لي أوضتي وفضلت تتكلم معايا فترة طويلة وفضلت تسرح شعري علشان أهدا وما أخافش. فضلت تقنعني أغير هدومي وأنام بس في عناد رفضت طلبها. خلال وقت قعدتها معايا، عدد من الساكنات جم وقعدوا حوالينا وفضلوا يتفرجوا عليا ونا بتعرش وخايفة أي حد يقرب مني. سمعت منهم عبارات زي " ياعيني دي مجنونة"، "خايفة أقعد مع واحدة مجنونة في نفس البيت"، " دي ممكن تتدبحنا كلنا بليل". وأخيرا واحدة منهم إقترحت إنهم يطلبوا البوليس ييجي ياخدني.
كانوا كلهم مرعوبين مني ومن نظراتي ومن شعري المنكوش. حتى الست الي كانت هاقعد معاها في نفس الأوضة قالت إنها مش هاتنام معايا في مكان واحد لو إدوها فلوس الدنيا كلها.
السيدة كين قالت لهم إنها هاتبات معايا فسابوها ومشيوا. ما غيرتش هدومها، فضلت قاعدة على السرير الي جنبي تراقب تصرفاتي. حاولت تقنعني أنام لكني رفضت تماما وقلت لها إني خايفة. كنت عارفة إني لو حطيت دماغي على المخدة هنام في هدوء وسلام زي الأطفال والخطة تبوظ. فضلت قاعدة على جنب في السرير وباصة للفراغ. الست الغلبانة الي كانت معايا كل ما كانت عينها تغفل تقوم مفزوعة وتبص لي. مكانش هاينفع تنام هي كمان فبدأت تدردش معايا تاني وتسألني جاية منين وبقالي قد إيه في نيويورك..إلخ. وكل أسئلتها كانت لها إجابة واحدة عندي: مش فاكرة. جالي صداع جامد بعدها نسيت كل حاجة.
صعبت عليا أوي، عذبتها كتير وهي كان قلبها كبير وطيبة فعلا. أنا عذبتهم كلهم بصراحة لأان واحدة تاني من المقيمات حلمت بيا في كابوس! سمعت صراخ الستات في الأوضة التاني وحسيت فعلا إني في مستشفى مجانين. إفتكروا إن كابوس زميلتهم حقيقية وإني دخلت عليهم الأوضة وهاقتلهم!
السيدة كين سمعت الصراخ وإتفزعت وجريت على الأوضة الي جنبنا وأما رجعت حكت لي. بعدها قعدت على السرير وغصب عنها غابت في النوم.
أنا كمان كنت نعسانة جدا بس تماسكت علشان أواصل نجاح تمثيلي للصبح. كان فاضل ست ساعات على يمعاد صحيانهم وفضلت فيهم أسترجع كل تفاصيل حياتي السابقة من نجاحات وإحباطات ودخلت في لخبطة طويلة ماكونتش قادرة أعرف الماضي من الحاضر من التوتر وقلة النوم.
فكرت في المستقبل وفي الي هايحصل بكره وقعدت أخطط للإحتمالات.. هل هاقدر أوصل للمستشفى في سلام؟ كل التفكير ده حطني لأول مرة قدام نفسي بدون أي رتوش. ياترى هاقدر؟ ياترى أنا زي ما فاكرة نفسي؟
بصيت من الشباك وارتحت أما شوفت ضوء الفجر.. الدنيا هادية خالص ولسه فاضل ساعة أو إتنين عقبال ما المدينة تصحى.
كنت بنام فعلا والي صحاني وصت خبطة، بصيت لقيتها عنكبوت ضخم خبط في الشباك، واضح إنه جاي يفطر. نط من الشباك على المخدة وفضل يطلع وينزل على خيطه. شكله مالاقش طبقه المفضل لأنه أخد بعضه ومشي وسابني أقضي الوقت الي فاضل في مراقبة الصراصير الي أول مرة آخد بالي من وجودها وكانت أحجامها مفاجئة الصراحة بالنسبة لي.
أما صحيت السيدة كين بصت لي في إشفاق كوني اصحية كل ده ولسه باصة في الفراغ. قامت وقعدت جنبي وفضلت ماسكة إيديا بتطمني وبتحاول تعرف لو في طريقة ترجعني بيها بيتي. فضلت معايا في الأوضة لحد ما كل السيدات الموجودات في النُزُل راحوا أشغالهم.
أخدتني بعدها للبدروم وجابتلي قهوة وعيش. أكلت وطلعت قعدت في سريري وقعدت أعيط. الست كانت محتاسة خلص وفضلت تقول:
" إيه العمل طيب؟ مالكيش صحاب يابنتي؟"
" ماليش صحاب..بس عندي أشجار..هي فين؟ عايزاهم.."
لست أقتنعت خلاص إني مجنونة بس فضلت تقولي حاضر هاجيبهوملك علشان أبطل عياط.
الست دي ماقدرتش أناساها، فكرتني إن لسه في إنشانية وطيبة في العالم. هي الوحيدة الي مكانتش خايفة مني وكنت صعبانة عليها وعايزة تساعدني بجد مش تخلص مني وخلاص. وقفت قدام الكل ومنعتهم يرموني في الشاعر بليل..سرحتلي شعري وغسلتلي وشي وفضلت تكلمن يكأنها بتكلم طفلها الصغير. أخيرا لفتني في بطانية أحسن أبرد وباتني وفضلت تقول"
" مسكينة يا بنتي..مسكينة يابنتي"
خليكوا فاكرين إسم الست الشجاعة العظيمة دي: روث كين.
______________________________________
الفصل الرابع
القاضي والشرطة

أرجع لحكايتي، فضلت عاملة مجنونة لحد ما السيدة سناراد صاحبة المكان جت. فضلت تقنعني أهدا، وكنت شايفة إنها عايزة تخرجني من البيت بأي طريقة بس ياريت من غير دوشة ولا لفت نظر، وده مش هدفي خالص.
فضلت ماسكة في السرير وعمالة أقولهم يشوفولوا أشجاري فين. أخيرا واحد من النزيلات اقترحت طلب الشرطة. 
نزلت السيدة يتانارد وغابت شوية ورجعت مع إتنين من الشرطة طوال وضخمين، دخلوا الأوضة عليا هجم كده بدون استئذان لأنهم افترضوا إني مجنونة خطرة أو عنيفة. واحد منهم كان إسمه توم بوكيرت.
" ياريت تخرجوها من هنا بهدوء"
رد توم:
" لو ماخرجتش بهدوء مضطرين نجرها في الشوارع."
عملت نفسي من واعية ومش حاسة بيهم، بس أكيد ماكونتش حابة أتجر في الشارع وده ممكن يحصل مش مجرد تهديد. السيدة ستانارد إتفقت معاهم إنهم يقولولي إنهم هاياخدوني معاهم ونروح نجيب الأشجار بتاعتي. كده هاروح معاهم وانا ساكتة. سألوني أحب آجي معاهم؟ قلت لهم إني خايفة أروح لوحدي، قالت السيدة ستانارد إنها هاتيجي معايا والشرطيين يمشوا ورانا من بعيد.
ربطت لي غطاء شعري وخرجنا من البيت من الباب الخلفي ومشينا في شوراع المدينة والشرطيين ورانا بمسافة معقولة.
وصلنا القسم وسلمتني السيدة ستانارد للمختص وقالت لي إنهم هايجيبولي الي أنا عاوزاه كله هنا. دخلت القسم وانا بترعش من الخوف، محدش كان عارف إيه الي ممكن يحصل لشابة وحيدة ومجنونة جوه.


الفصل الرابع
القاضي والشرطة

أرجع لحكايتي، فضلت عاملة مجنونة لحد ما السيدة سناراد صاحبة المكان جت. فضلت تقنعني أهدا، وكنت شايفة إنها عايزة تخرجني من البيت بأي طريقة بس ياريت من غير دوشة ولا لفت نظر، وده مش هدفي خالص.
فضلت ماسكة في السرير وعمالة أقولهم يشوفولوا أشجاري فين. أخيرا واحد من النزيلات اقترحت طلب الشرطة. 
نزلت السيدة يتانارد وغابت شوية ورجعت مع إتنين من الشرطة طوال وضخمين، دخلوا الأوضة عليا هجم كده بدون استئذان لأنهم افترضوا إني مجنونة خطرة أو عنيفة. واحد منهم كان إسمه توم بوكيرت.
" ياريت تخرجوها من هنا بهدوء"
رد توم:
" لو ماخرجتش بهدوء مضطرين نجرها في الشوارع."
عملت نفسي من واعية ومش حاسة بيهم، بس أكيد ماكونتش حابة أتجر في الشارع وده ممكن يحصل مش مجرد تهديد. السيدة ستانارد إتفقت معاهم إنهم يقولولي إنهم هاياخدوني معاهم ونروح نجيب الأشجار بتاعتي. كده هاروح معاهم وانا ساكتة. سألوني أحب آجي معاهم؟ قلت لهم إني خايفة أروح لوحدي، قالت السيدة ستانارد إنها هاتيجي معايا والشرطيين يمشوا ورانا من بعيد.
ربطت لي غطاء شعري وخرجنا من البيت من الباب الخلفي ومشينا في شوراع المدينة والشرطيين ورانا بمسافة معقولة.
وصلنا القسم وسلمتني السيدة ستانارد للمختص وقالت لي إنهم هايجيبولي الي أنا عاوزاه كله هنا. دخلت القسم وانا بترعش من الخوف، محدش كان عارف إيه الي ممكن يحصل لشابة وحيدة ومجنونة جوه.
كان في مشكلة تانية، إني من كم إسبوع كنت في نفس القسم ده لتحقيق صحفي وقابلت الرائد ماكولاف وطلبت منه بعض المعلومات و إداهالي، فهل هو موجود دلوقتي في القسم، ولو شافني هايفتكرني؟
نزلت غطاء راسي أكتر على وشي وإستعديت اشوفه جوه.
فعلا كان قاعد ورا مكتب قريب، وفضل يبص لي وضابط تاني بيسأل السيدة ستانارد والشرطي الي معاها اسئلة بصوت واطي.
سألني الضابط:
" إنتي نيلي براون؟"
هزيت راسي بمعنى أيوه.
" إنت منين؟"
" مش عارفة.."
إتفتح السيدة ستارنار في الكلام وحكيتله عن لقاءنا أول مرة وإزاي كنت بتصرف بغرابة طول الوقت، وكان رأيها إني بنت مسكينة حدعاملها بشكل سيء لحد ما إتجننت. طلبوا بعد كده من الشرطي توم بوكيرت ياخدني بالعربية للمحكمة.
قال لي الشرطي:
" تعالي هاجيبلك الشجر بتاعك.."
مشيت معاه ومع السيدة ستانارد ومابطلتش رغي فاضي عن الشوارع وقذارتها وعن الشجر وعن الناس الي ماشية والي بيخفوني علشان مجانين. سألتهم:
" انا عمري ما شوفت ناس كده ابدا، من دول؟"
بصلي الشرطي والسيدة ستانارد في تعجب وقالوا لي إن الناس دي عمال رايحين وجايين من أشغالهم. قلت لهم إن في عمال كتير أوي بالنسبة لكمية الشغل في العالم. من كتر كلامي وبصاتي الغريبة لكل حاجة إتجمع شرطيين تانيين حوالينا وكمان أطفال، وبدئوا يبصلوا لي كأنهم بيتفرجوا على مسرحية. السيدة ستانارد قلقت من الزحمة وتجمع الناس، وأنا كمان قلقت من مصيري قبل ما أروح المحكمة.
____________________
بمعجزة وصلنا لمبنى قصير دخلنا فيها وكان جواه تجمع كبير من الناس. قال لي الشرطي:
" إتفضلي، هانلاقيلك الشجر بتاعك على طول أهو."
الناس الي كانوا ماشيين ورانا إتجمعوا على باب المبنى وفضلوا يبصولي. سألت الشرطي:
" هي الناس دي كمان أشجارهم ضايعة؟"
" أيوه، أغلبهم مستنيين دورهم علشان يستلموا شجرهم."
" شكلهم كمان مش من هنا زيي.."
" علشان كده مش لاقيين شجرهم بس آدينا بندور معاهم."

دخلت صالة المحكمة الي هايتم فيها حسم كوني مجنونة ولا لأ. القاضي دافي كان قاعد ورا مكتب عالي. الي قلقني إن الرجل شكله طيب جدا، والخوف إني أصعب عليه يوديني مستشفى المجانين ويأمر بإيدعي في دار رعاية وخلاص.
كان في ضابط في القاعة قال لي:
" قربي هنا، إسمك إيه؟"
حاولت اتصنع اللهجة الجنوبية أكتر ورديت بصوت واطي مرتبك:
" نيلي براون، والشجر بتاعي ضايع مني وعايزة منكم تدورولي عليه."
" جيتي نيويورك إمتى؟"
"لا أنا ماجيتش نيويورك."
" بس إحنا دلوقتي في نيويورك."
جاوبت في عصبية كأني طفلة:
" لأ! انا ماجيتش نيويورك!"
قال الضابط:
" البنت دي من الغرب، لهجتها ملخبطة بس أنا عارف لهجة الغرب كويس."
كلام الضابط كان صحيح تماما وده قلقني جدا. شرطي من الواقفين سمع كلامنا وقال إن لهجتي جنوبية، وهو عاش في الجنوب شوية وعارف اللهجة دي. ضابط تاني كان مصمم إن كلامي كان بلهجة شرقية! إرتحت أما كل واحد قال رأي وحسيت إني فلت منهم.
رجع الضابط الأول يكلم القاضي وقال له:
" سيدي القاضي، في هنا شابة مش عارفة هي مين أو جاية منين. ياريت تنظر في قضيتها بسرعة."
كنت بترعش بس مش من البرد، كنت خيفة فعلا وكان حواليا عدد كبير من الناس الي عندهم قضايا، لابسين ملابس بسيطة قديمة وعلى وشوهم شقا ومعاناه، وفي كل ركن كان في ضباط لابسين ملابس أنيقة ونضيفة وبيتعاملوا مع كل تعاسة الناس دي بتعالي وإستعلاء.
نادى عليا القاضي وقال:
" قربي يا بنتي وبيني وشك."
صوت القاضي كان عالي وقاسي وده فاجئني على عكس الي توقعته من ملامحه. سألت الي حواليا:
" هو بيكلم مين؟"
" قربي يا بنتي وإكشفي وشك..عارفة ملكة إنجلترا؟ لو كانت هنا كان لازم برضو تكشف وشها."
رغم قسوة صوت القاضي إلا إن كلامه كان عطوغف وكان مقدر توتري وخوفي وحاول يضحكني.
" انا مش ملكة إنجلترا بس حاضر"
رفعت غطاء الراس عن وشي، بص لي القاضي في شفقة شديدة وسألني:
" مالك يابنتي؟"
" مافيش حاجة، الشجر بس بتاعي ضاع. والرجل ده.." وشاورت على الشرطي الي جابني" قال لي إنه هايجيبلي شجري."
سأل القاضي السيدة ستانارد:
" تعرفي إيه عن البنت دي؟"
" معرفش عنها حاجة غير إنها جتلي إمبارح في البيت وطلبت تبات ليلة عندي."
" في البيت؟ قصدك إيه بالبيت؟ بيتك؟"
" لا..ده بيت للسيدات العاملات المغتربات."
"ووظيفتك إيه هناك؟"
" مساعدة المديرة"
" طيب أحيكلنا الي حصل بالضبط.."
كنت في مشوار وراجعة لبيت العاملات وشوفتها ماشية في الشارع ورنت الجرس ودخلت البيت.أما قابلتها جوه سألتني إن كان في مكان تبات فيه وقلت لها في مكان. بعد شوي بدأت تقول لي إن الستات في البيت كلهم مجانين وإنها خايفة منهم. بعدين أما طلعناها تنام فضلت صاحية طول الليل ورعبت النزيلات."
" كان معاها فلوس؟"
جاوبت أنا بدالها بسرعة:
" أيوة..دفعت تمن كل حاجة وأكلهم كان مقرف.."
ضحك القاضي وقال واحد من صحاب القضايا الي واقفين ورايا:
" أما جت سيرة الأكل الجنان راح."
قال القاضي دافي:
" بنت مسكينة، هدومها كويسة وكلامها كويس..شكلها بنت ناس. أكيد دي بنت من عيلة محترمة."
الكل ضحك، وانا حطيت منديلي على وشي علشان ما تبان ضحكتي وتبوظ التمثيلية.
قال القاضي: 
" بتضحكوا على إيه؟ أكيد في حد بيدور عليها..كمان شبه أختي الله يرحمها.."
الكل سكت، والضباط بصولي بإحترام وشفقة أكتر. شخصيا كنت متأثرة بخلق القاضي وكنت أتمنى كل بنت غلبانة تقابل حد عطوف وطيب زي القاضي دافي في حياتها.
أضاف القاضي:
" لو كان في مراسلين صحفيين قريبين هنا كنت بعتهم يشوفولنا البنت دي تطلع مين، كانوا هايجيبوا أصلها في ساعات."
إترعبت..محدش فعلا ممكن يجيب أصلي إلا المراسلين الصحفيين. كان عندي أواجه دكاترة وعساكر وضباط ولا إني أواجه مراسل صحفي من أبناء مهنتي. قررت أقول:
" مش فاهمة ليه كل ده؟ أنا بس عايزة أشجاري..بعدين الناس دي بتبص لي كده ليه؟ أنا هامشي من هنا مش عايزة حاجة.
غطيت وشي تاني وإتمنيت مافيش أي مراسلين صحفيين يظهروا من تحت الأرض قبل ما أروح المستشفى.
قال القاضي في قلق:
" أوديها فين؟ لازم تقعد في مكان ياخدوا بالهم منها فيه."
اقترح واحد من الضباط:
" إبعتها الجزيرة."
ردت السيدة ستانارد في قلق:
" لا لا..البنت بنت ناس يا جماعة لو وديتوها الجزيرة هاتموت هناك."
كنت عايزة أضرب الست الطيبة الشهمة دي! غصب عني، بس كل الي عملته ده كان علشان أروح الجزيرة! تقوم هي تقولهم لا؟
قال القاضي:
" أنا بقول إن البنت دي إتخدرت وإتجابت هنا وهي مش واعية..جهزوا ورقها وهانبعتها للكشف الصحي. لو كانت متخدرة فعلا يبقا كلها كم يوم والمخدر يروح وتحكيلنا حكايتها بنفسها أو يكون جه مراسلين صحفيين يعرفولنا هي مين!"
_____________________________________________

خوفت من قراراتهم دي تبعدني خالص عن هدفي أو تكشفني، قلت لهم إني مش عايزة أقعد هنا والناس تتفرج عليا، فطلب القاضي دافي من الشرطي ياخدني لمكتب خلفي. بعد ما عقدت هناك جه القاضي وسألني لو بيتي في كوبا.
 رديت عليه بإبتسامة:
"ايوة عرفت منين؟"
" عرفت يابنتي، قوليلي بقا فين بيتك في كوبا؟"
" في مزرعة."
" في مزرعة..فاكرة هافانا؟"
" سي سينيور، هافانا جنب بيتي، عرفت منين؟"
" أنا عارف كل حاجة، قوليلي بقا مزرعتكم إسمها إيه؟"
" مش فاكرة بصراحة. عندي صداع طول الوقت بيخليني أنسى كل حاجة..مش قادرة أستحمل كل الأسئلة الي الناس بتقعد تسألهالي، بتصدعني."
" خلاص محدش هايضايقك تاني، أقعدي هنا وإرتاحي شوية"
سابني القاضي مع السيدة ستانارد لوحدنا. شوية ودخل شرطي ومعاه مراسل صحفي..إترعبت وقولت خلاص هايعرفني. فلفيت وشي بعيد وقلت:
" مش عايزة أشوف صحفيين أنا..سيادة القاضي قال محدش يزعجني"
أخد الشرطي المراسل معاه وخرجوا. الشرطي وهو خارج قال:
" وعرفت منين إنه صحفي؟ عقلها رجعلها ولا إيه."
تاني قلقت أكتر، تاني مرة حد يشك في كلامي ويحس إني مش مجنونة، لازم أخلي بالي أكتر وزيادة تأكيد على جناني قومت وقعدت أتنطط وأجري في المكتب رايح جاي، رايح جاي، والسيدة ستانارد فضلت تحاول تمسكني من دراعي علشان أقعد.
" أنا مش هاقعد هنا، أنا عايزة أشجاري. ليه كل شوية يجيبولي ناس تضايقني؟"
فضلت على الحالة دي لحد ما جه طبيب طواريء ودخل  مع القاضي.
_________________________
الفصل الخامس
الإعلان عن الجنون
قال القاضي للطبيب:
" دي البنت المسكينة الي خدروها. شبة أختي الله يرحمها بالضبط. البنت دي صعبانة عليا وهاعمل أي حاجة علشان أساعدها كأنها بنتي.
الدكتور التفت للسيدة ستانارد وسألها لو تقدر تخلي بالها مني في نُزل العاملات لحد النظر في حالتي، للأسف قال إنها ماتقدرش لأن النزيلات بيخافوا مني وممكن يمشوا لو رجعت بيا تاني.
كنت خايفة لايدفعولها تمن إقامتي فترضى بدافع الطمع، فتدخلت وقولت إن أكل النُزُل مقرف وإني مش عايزة أرجع هناك تاني خالص. طلب مني الدكتور أفتح بقي وأطلع لساني، فقعدت العب حواجبي وابص بعيد. 
"طلعي لسانك يا آنسة!"
ضحكت وكملت بص بعيد. قال لي في نفاذ صبر:
" طلعي لسانك بره!"
" مش عايزة أنا أطلع لساني!"
" لا لازم، إنت عيانة وأنا الدكتور."
"أنا مش عيانة، عمري ما عييت..أنا بس عايزة أشجاري هاامشي على طول."
الدكتور صعب عليا فطلعت لساني، فحصه وقاس نبضي. معرفش طبعا نبض الشخص المجنون عامل إزاي فحبست نفسي طول الوقت الي كان بيعد فيه النبض ويسمع قلبي بالسماعة.نور كشاف قدام عينيا وبص فيهم، برضو معرفش عينين المجنون عاملة إزاي، فقول أبرّق. فضلت مبرقة في وشة من غير ما أرمش خالص. سألني:
" بتتعاطي أدوية إيه؟"
" أدوية يعني إزاي؟!"
قالت السيدة ستانارد:
" حدقة عينيها كانت واسعة من ساعة من دخلت البيت."
طبعا هي بتفتي، بس كويسة أوي الفتوى دي فسكت.
قال الدكتور:
" ممكن تكون بتتعاطى بيلادونا ( عشبة ست الحسن المخدرة)"
إما حدقة عيني كانت واسعة فعلا لسبب ما أو إنهم مابيفهموش حاجة هم الإثنين. بس أنا نظري ضعيف، هل ممكن يكون ده سبب تشخيص الدكتور؟ حبيت أقول له المعلومة دي علشان ما يروحش في سكة إني بتعطى مخدرات ويسجنوني بدل ما يحولوني المستشفى.
" أنا مش بشوف كويس يا دكتور بس أنا مش عيانة ومحدش له حق يكشف عليا. أنا عايزة أشجاري وهاروح بيتنا."
فضل الكتور يكتب كلام كتير في تقرير معاه، وبعدين قال لي إنه هايرجعني بيتي. طلب مني القاضي يخلي باله مني ويخلي الناس في المستشفى تعاملني كويس ومايخلونيش عايزة حاجة.
لو كان في ناس كتير زي القاضي دافي مكانش حد هايعاني في حياته أبدا.
________________
بدأت أثق في قدراتي التمثيلية دلوقتي أكتر كده قاضي ودكتور ومجموعة ناس اقتنعوا إني مجنونة. نزلت غطاء راسي على وشي وركبت عربية بحصان علشان زي ما قالولي هايودوني بيتي.
كويس إن الدكتور خلص كل الإجراءات من غير ما يضطر حد يستجوبني تاني لأن أعصابي مكانتش مستحملة.
قلت بس أزود شوية جنون قبل ما أركب العربية وقوالهم إن عمري ماشوفت عربية بتجرها خيول قبل كده وإني خايفة أركبها. سيبتهوم يحايلوني ويقنعوني شوية وبعدين ركبت.
_____________________
عمري ما هانسى الرحلة دي. بعد مار كبت والدكتور جنبي، الناس كلها في المحكمة خرجت تتفرج على العربية وهي بتخرج من البوابة وبتبعد عنهم الست المجنونة الغريبة. لاحظ الدكتور إني خايفة من الناس فنزل ستاير العربية، لكن الحركة دي مباعدتش الناس، فضل الأاطفال يجروا ورا العربية ويحاولوا يبصولي من تحت الستاير وهم بيشتموا ويغنوا. زود الحوذي سرعة العربية وضرب الأحصنة، فبعدنا عن الزحام والدوشة.

___________________
الفصل السادس
في مستشفى بيلليفو

كانت مستشفى بيلليفو تالت محطة في مشواري لمستشفى الأمراض العقلية. عديت إختبار الجنون في النزل والقسم والمحكمة وبقا عندي ثقة أكبر إني هاقدر أعدي المرحلة دي.
وقفت العربية قدام البوابة فطلع ممرضين بسرعو من المستشفى وسألوا الدكتور:
" معاك كم حالة؟"
"واحدة بس..للتقييم العقلي."
دخل العربية رجل ضخم غليط وحاول يشدني من دراعي ويخرجني من العربية بالقوة، فالدكتور منعه وقال له إنه هو بنفسه الي هايدخلني.
مسك إيدي ومشي بيا بهدوء كأني أميرة وسط الممرضين ودخلنا مكتب صغير مظلم. كان في كذا رجل جوه، واحد منهم كان قاعد ورا مكتب، فتح كتاب قدامه وبدأ يسأل قائمة أسئلة روتينية واضح إنه متعود عليها.
رفضت أجاوب على أي سؤال، وقال له الدكتور إن يمنزعجة ومش ضروري يسألني طالما إجاباتي ملهاش معنى ولا لازمة. إرتحت إن الدنيا مشيت بسهولة هنا رغم إني كنت دايخة جدا بسبب قلة الأكل. المفروض كنت هاروح حجز المرضة العقليين، فجه ممرض ومسكني جامد ووجعني فغضبت وللحظة نسيت دور كمجنونة وقلت له:
" إزاي تجرؤ تلمسني؟!"
نزل إيده بسرعة وبدأ جسمي يتنفض لا إراديا. حاولت أهدي نفسي وقلت لهم: 
" مش هامشي مع الرجل ده. هاتولي الدكتور، القاضي قال له يخلي باله مني"
جه الدكتور ومسكني برفق ومشينا وورانا الرجل القاسي الي شدني قبل كده. عدينا حديقة صغيرة لحد ما وصلنا عنبر المرضى العقليين، وهناك كان في ممرضة لابسة أبيض في استقبالنا.
قال الدكتور:
" البنت دي هاتستنى معانا لحد ميعاد القارب الي هاياخدها مستشفى جزيرة بلاكويل."
لسه الدكتور هايمشي، مسكت فيه وطلبت منه بشكل طفولي ياخدني معاه، فقال لي إنه هايروح يتغدا ويرجعلي. صممت آجي معاه فقال لي إن عنده عملية بتر ومش هايعرف ياخد باله مني وهو شغال في عملية. وضح إنه كان مقتنع إنه بيتعامل مع واحدة مجنونة. سمعت من العنبر ورايا صوت صرخات مجنونة مرعبة، ومع كل شجاعتي حسيت بقبضة قلب وإشفاق على المريض الي بيتعذب بمرضه بالشكل ده. لاحظ الدكتور إني خيفة فقال لي:
" عادي خالص ماتخافيش، هم بيهزروا مع بعض زي الأطفال كده."
وعدني إنه هايرجعلي تاني، وسابني ومشي.
________________
وقفت عند الباب وبصيت للمنظر قدامي، الصالة الواسعة كانت مدهونة أبيض بالكامل، وفي آخرها باب حديد مقفول بقفل. الحاجات الوحيدة الي كانت في الصالة عبارة عن كراسي متناثرة وقدامها باب تاني لعنابر النوم على ما أظن.وعلى يمين المدخل كان في أوضة صغيرة للممرضات، وقصادها الناحية التانية مكان للأكل. دخلت عليا ممرضة لابسة فستان أسود وعليه مريله بيضا ومعاها سلسلة مفاتيح. عرفت بعد كده إن إسمها الآنسة بول وهي سيدة كبيرة في السن طيبة جدا. نادت على أربع أسماء وكنت أنا رابعتهم. بصراحة كنت قلقانة دور المجنونة يروح مني من غير ما أحس، فميشت لأحد أول الصالة وإتعرفت على سيدة هناك عاملة نظافة إسمها الأنسة آن نيفيل، وتعبت من شغلها ده فنقلوها دار رعاية لتلقي العلاج، لكن بنت أختها ماكانتش قادرة تكمل تكاليف علاجها فإضطرت تنقلها لمستشفى بيلليفو العام الي إحنا فيها دلوقتي. سألتها:
" هو إنت تعبانة نفسيا يعني أو عقليا؟"
" لا..الدكاترة كانوا بيسألوني أسئلة كتير ويلخبطوني..بس أنا عقلي سليم."
" إنت عارفة إنهم بينقلوا الناس العاقلة بس للحجز هنا؟"
" أيوة عارفة، بس هاعمل إيه؟ الدكاترة مش عايزين يسمعوني، ومالوش لازمة اكلم الممرضات واتعبهم."
نقلت اهتمامي للواحدة تانية من المريضات، ولقيتها محتاجة فعلا رعاية طبية وعقلها مش مضبوط. المريضة التالتة كانت السيدة فوكس بس ما اتكلمتش معايا كتير، قالت لي إسمها وإن حالتها ميئوس منها وسكتت.
بعد شوية جت ممرضة وطلبت من الآنسة بول تروح تاكل. عرفت إن الممرضة إسمها آنسة سكوت، قربت مني وقال لي في وقاحة:
" اخلعي قبعتك."
" مش هاخلع حاجة، انا مستنية القارب هنا."
" مافيش قوارب، وياريتك تعرفي بقا دلوقتي قبل كمان شوية إنك في مستشفى مجانين."
رغم إني عارفة كويس أنا فين، بس كلامها صدمني.
" انا ماكونتش عايزة آجي هنا أصلا، انا لا عيانة ولا مجنونة ومش قاعدالكم."
" لو ماعملتيش الي بنقول لك ليه هاتطولي معانا هنا كتير. اخلعي القبعة وإلا برنة جرس هاجيب الي يشيلها من فوق راسك بالقوة."
" لا مش هاخلعها انا بردانة، ومحدش يقدر ياخد حاجتي."
" هاديكي فرصة كم دقيقة، لو ماخلعتيهاش هاستخدم القوة وبحذرك."
" لو قلعتيني قبعتي هاقلعك الكاب الي على راسك ده."
حد نادى عليها فمشيت، وقولت لو قاومت كتير ممكن ده يكون دليل على إني عاقلة،فخلعتها وقعدت مكاني لحد مارجعت. كنت جعانة وانبسطت إنهم بيحضروا الغدا. ممرضة اسمها ماري حطت معقد عريض وطويل قدام ترابيزة ونادت على المرضى ييجوا ياكلوا. الأكل كان عبارة عن حتة لحمة مسلوقة وبطاطس، لوكانت مطبوخة من أسبوع مكانتش هاتبقا ساقعة كده، وطبعا مافيش ملح ولا فلفل. ماقومتش من مكاني، فجابتلي ماري طبقي وقالت لي:
" معاكيش أي الامونيا..؟"
" نعم؟ مش فاهمة؟"
" الامونيا..فلوس يعني.. لو معاكي هاتيها علشان هاياخدوها منك كده كده، فأنا أولى بيها."
خوفت اطاوعها وتحس إني ضعيفة وده يأثر على معاملتها معايا بعدين، فقلت لها إن شنطتي ضاعت، ودي كانت الحقيقة. برغم إني ما اديتش ماري الفلوس إلا إن معاملتها ليا ما اتغيرتش. كانت جايبالي الأكل في طبق صيني مش معدن، بس حالة الأكل كانت وحشة جدا ماينفعش يتاكل، فجابت لي لبن وبسكوت.
الشبابيك كانت مفتوحة ومنها شبابيك مكسورة، وكان الجو بدأ يبرد جدا لدرجة غير محتملة. اشتكيت من البرد للمرضات لكنهم قالوا لي إن المستشفى مجاني ومش لازم اتوقع معاملة فاخرة يعني. كل المريضات كانوا بيعانوا من البرد وحتى الممرضات كانوا لابسين لبس تقيل علشان مايبردوش. سألت لو ينفع أنام الآنسة سكوت قالت لا، وراحت جابتلي شال قديم نفضت العتة من عليه واديتهولي.
قلت لها:
" بس ده مش نضيف!"
" كتر خيرنا، احنا في مكان مجاني هانعمل إيه يعني؟ ماتشتكيش بقا."
لفيت الشال الدايب عليا بريحته المكتومة دي وقعد على كرسي مكسور وبدأ فكر في الي جاي. ياترى هاستحمل البرد ده لحد إمتى؟ هم نسيوني ولا إيه؟؟


لفيت الشال الدايب عليا بريحته المكتومة دي وقعد على كرسي مكسور وبدأ فكر في الي جاي. ياترى هاستحمل البرد ده لحد إمتى؟ هم نسيوني ولا إيه؟؟
مناخير كانت متجمدة من البرد، وعينيا بتقفل من التعب لوحدها. فتّحت لقيت الآنسة سكوت ورجل تاني معاها واقفين قدامي، عرفت إن الرجل ده هو الدكتور. قال أول ما شافني:
" شوفت الوش ده فين قبل كده؟!"
سألته وأن بمثل إنه نفسي يكون يعرفني، بينما الحقيقة إني كنت مرعوبة لايكون يعرفني أو شافني في حتة:
" إنت تعرفني؟"
" أعتقد..إنتِ جاية منين؟"
" من البيت."
" وفين البيت ده؟"
" ماتعرفش؟ في كوبا."
قعد جنبي وقاس نبضي وبص على لساني وقال أخيرا:
"إحكي للآنسة سكوت عن كل حاجة عنك."
" لا مش هاحكي..مش بتكلم مع ستات."
" كنتي بتعملي إيه في نيويورك؟"
" ولا حاجة."
" بتشتغلي؟"
" لا يا سنيور."
" قولي لي طيب، إنت من إياهم؟"
" مش فاهمة."
" يعني بتسمحي للرجالة يصرفوا عليكي مقابل إقامتك معاهم؟"
كنت عايزة أضربه بالقلم على وشه، بس كان لازم التزم بدوري. رديت ببساطة:
" معرفش بتتكلم عن إيه، طول عمري كنت عايشة في البيت."
بعد أسئلة كتير مالهاش أي لازمة سابني وراح يتكلم مع الممرضة وقال لها إني فاقدة الذاكرة وعندي مشاكل عقلية.
" حالتها مزمنة ومحتاجة رعاية دايمة."
أخيرا عديت تاني إختبار طبي بنجاح. بدأت أشك بالفعل في كفاءة الأاطباء ثررت إني لو خرجت من المهمة دي حية ما أروحش لدكاترة تاني. وكقناعة تامة، مافيش دكتور هنا يقدر يقول الشخص الي قدامه مجنون ولا سليم طالما المريض مكانش عنيف أو خطر.
بعد شوية جه ولد وست، قعدت الست على مقعد والولد راح يكلم الآنسة سكوت، بعدها راح يسلم على الست الي واضح إنها والدته وسابها ومشي. الست مكانش باين عليها إنها مجنونة، بس للأسف كانت المانية فمافهمتش الي حكايتها. عموما كان إسمها السيدة لويز شانز والممرضات أول ما قعدوها قدام ماكينة خياطة بدأت تشتغل عليها على طول. يبقا كده جاية تشتغل مش مريضة.
الساعة تلاتة العصر إدوا كل المريضات شوربة سميكة مش عارفة محتوياتها. والساعة خمسة إدونا كوباية شاي وحتة عيش. لفت نظرهم إني مش قادرة آكل أي حاجة بيقدموها لأن كل الأكل كان غير آدمي وقديم وحتى الشاي كان ميه عليها نقطة شاي. إدوني كوباية لبن تاني وبسكوتة مملحة. 
______________________
قبل الغروب على طول جت مريضة تانية، كانت شابة حوالي 25 سنة وقالت لي إنها لسه قايمة من فترة مرض. شكلها كان باين جدا إنها عيانة. قالت لي:
" بسبب الحمى الي كانت عندي بعاني من مشاكل في الأعصاب، وصحابي بعتوني هنا علشان أتعالج."
ما سألتهاش عن حاجة تاني. الساعة ستة وربع  الآنسة بول قالت إنها عايزة تمشي فلازم كلنا نروح ننام. جمعتنا كلنا وكنا ستة ودخلتنا أوضة وطلبت مننا نخلع هدومنا ونلبس بدالها هدوم إدوهالنا، كنت عبارة عن جلباب قطن قصير. جمعت هدومي كلها جوه بعض في صُرة ولزقت عليهم ورقة بإسمي وأخدتهم ومشيت بعد ما حطيتني في أوضة ضيقة لوحدي. قفلوا علينا الأبواب الحديد، وكانت الآنسة بول إديتني غطا تقيل شوية وقالت لأني إني صعبت عليها.
السرير كان ناشف جداجدا والمخدة كانت محشية قش. المكان كان بارد جدا وماقدرتش أنام. أما جت ممرضات وردية الليل بصوا عليا وكانوا فضوليين جدا، شكلهم سمعوا عني من الدكتور أو الممرضات التانيين. مرجد ما خرجوا من أوضتي جه حد بيسأل على نيلي براون. أعصابي كانت مشدودة جدا وخايفة حد يكتشف إني عاقلة. سمعت من أوضتي إن الي بيسأل عني مراسل صحفي وعايز هدومي يشوفها، لكن الممرضة قالت إني حالتي مزمنة ولازم أتحجز في المستشفى ومارضيتش تديه هدومي. بعد ما مشي المراسل سمعت إن في دكتور برة عايز يشوفني. إترعبت..عايز يشوفني ليه؟
عقبال ما دخل عليا كنت بترعش حرفيا من التوتر. الممرضة قالت لي:
" نيلي براون، ده الدكتور عايز يتكلم معاكي."
طالما هايتكلم بس ماشي..هاستحمل. شيلت الغطا الي كنت مخبية بيه وشي، وبصيت ناحية الدكتور.
كان شاب وسيم وشيك جدا كأنه من النبلاء، بعدها عرفت إنه كده فعلا. قرب مني وقعد على حرف السرير ولف دراعه حوالين كتافي. الحقيقة كان صعب أوي أمثل إني مجنونة قدام شخص بالوسامة دي، البنات بس هايفهموا قصدي!
سألني بهدوء:
" حاسة بإيه النهاردة يا نيلي؟"
" حاسة ..حاسة إني كويسة."
" بس إنت مريضة، عارفة كده؟"
" أنا؟!"
" سيبتي كوبا إمتى يا نيلي؟"
" إيه ده إنت عارف بيتي كمان؟!"
" أيوة طبعا..مش فاكراني؟ أنا فاكرك."
" فاكرني؟"
كان معاه شخص تاني، فضل واقف بعيد بيبص لي وبس. المهم فضل يسألني كتير وجاوبت بصراحة بعدها مشي. 
لكن الليلة كانت لسه طويلة وماعرفتش أرتاح، الممرضات كانوا عمالين يتكلموا بصوت عالي، وكل نص ساعة كانوا بيمروا على الإوض وبسمع أصوات رجليهم رايحين جايين. على وش الصبح كده بدأت أصوات تحضير الفطار وكنت جعانة جدا. أًصوات صراخ وشتائم كانت جاية من ناحية عنبر الرجالة بعدها سمعت صوت سارينة إسعاف وجابت معاها حمل جديد من المرضى.
بإختصار، دي كانت أول ليلة ليا كمجنونة رسمي.
_____________________________
الفصل السابع
الهدف على مرمى البصر.

الساعة 6 الصبح من يوم الأحد 25 سبتمبر، شدت الممرضة الغطا من عليا وقالت لي:
" قومي ياللا."
رجعولي هدومي الي جيت بها، لبستها وأخدوني للحمام علشان أغسل وشي مع باقي المريضات. الساعة سبعة إدونا سائل غامض ماري قالت إنه شوربة فراخ. الجو كان بارد جدا، أما إشتكيت قالت لي الممرضة إنه ممنوع يشغلوا دفايات قبل أكتوبر ولازم نستحمل. دخلت علينا ممرضات ومعاهم مقصات وقصوا ضوافرنا. بعدها جه الدكتور الوسيم بص علينا وبعدين أخدوني لأوضة خاصة بيه لوحده بيكشف فيها على المرضى. سألني لدكتور:
" إنت مين؟"
" نيلي مورينو."
" أمال ليه قولتي قبل كده نيلي براون؟ بتشتكي من إيه؟"
"ولا حاجة. ماكونتش عايزة آجي هنا بس هم الي جابوني. عايزة أمشي، هاتمشيني من هنا؟"
" لو خرجتك هاتفضلي معايا؟ مش هاتجري مني في الشارع؟"
" لا أوعدك مش هاجري."
ابتسمت وإتنهدت غصب عني..كان وسيم جدا!
سألني تاني أسئلة كتير زي هل بشوف وشوش على الحيطان؟ هل بسمع أصوات حواليا من غير مصدر؟ حاولت أجاوب على قدر استطاعتي.
" بتسمعي أصوات بليل؟"
" بسمع كلام كتير أوي مش بعرف أنام."
قال لنفسه:
" كنت عارف."
ورجع سألني:
" بتقول إيه الأصوات دي؟"
" مش عارف مش ببقا منتبهة لها، بس غالبا بيتكلموا عن نيلي براون وحاجات تانية كده مش مهمة بالنسبة لي."
إجابتي كانت صادقة تماما، فعلا الممرضات كانوا بيتكلموا عني بليل.
" ممكن أمشي بقا يا دكتور؟"
" قريب جدا هاتمشي من هنا."
جابوني وهو بيضحك، فقلت له:
"الدنيا هنا برد أوي."
قال الدكتور للآنسة سكوت:
" فعلا الجو برد هنا، كده المريضات هايجيلهم التهاب رئوي."
طلعت من الأوضة ودخل مريض تاني، قعدت جنب الباب وحاولت أعرف هايقيس إزاي قدرات المرضى التانيين العقلية. كان بيسألهم أسئلة قريبة جدا من الي سألها لي، وكل المرضى أنكروا إنهم بيشوفوا أو بيسمعوا حاجة غريبة. 
الساعة عشرة إدونا شوربة لحمة من غير ملح. الضهر حتة لحمة وبطاطس باردين. الساعة تلاتة شوربة شوفان مكلكعة، خمسة ونص شاي وعيش..كلنا كنا جعانين جدا وبردانين. بعد ما مشي الدكتور إدونا شيلان قديمة وقالولنا إتمشوا كده رايح جاي في الطرقة علشان تتدفوا!
خلال اليوم كان في كذا حد بيجي المستشفى علشان يتفرج على البنت المجنونة الي من كوبا، الي هي أنا! فضلت مغطية وشي بحجة إني بردانة، ماكونتش عايزة حد يشوفني ويكون عارفني بالصدفة. بعض الزوار كانوا بيدوروا على بنات مفقودة من عائلاتهم فكانوا بيعرضوني عليهم وبضطر أعري وشي علشان يشوفوني. أكتر ناس مزعجين كانوا المراسلين الصحفيينرغم إنهم كانوا ذوق ومؤدبين بس كنت خايفة يعرفوني.
المغرب جه دكتور فيلد وكشف عليا سألني نفس الأسئلة تاني وسألني إن كنت متجوزة أو في علاقة مع حد. خلاني امد إيديا واحرك صوابعي بطريقة معينة، وأخيرا أعلن إن حالتي غامضة وميئوس منها!
قبل ما الدكتور يمشي، جت مريضة إسمها تيلي مايارد والي كانت بتعاني من مشاكل في الأعصاب، وسألت الدكتور هم جايبينها هنا ليه، سألها:
"إنت لسه مكتشفة إنك في مستشفى مجانين؟"
" ايوة، صحابي قالولي إني دي مستشفى للأعصاب..أنا عايزة أمشي من هنا فورا!"
" لا محدش بيمشي من هنا فورا!"
ضحك الدكتور، فمسكت فيه وقالت له:
" إنت لو بتعرف شغلك كنت عرفت إني مش مجنونة..إنت حتى ما كشفتش عليا!"
ساب البنت المسكينة ومشي وماسابش أي فرصة لإنقاذ بنت عاقلة من مصير أبدي في مستشفى أمراض عقلية.
____________________________
ليلة الأحد كانت نسخة من ليلة السبت. طول الليل صاحيين بسبب صوت الممرضات ومشيهم بين العنابر.
يوم الإثنين الصبح قالولنا إننا هانمشي من هنا الساعة واحدة ونص. فضلت الممرضات يستجوبوني في فضول قبل ما أروح من بين إيديهم، وكانوا بليل متراهنين إن ليا حبيب خانني ورماني وإتجننت بسببه!
جم مراسلين تاني لكن الآنسة سكوت منعتهم يقابلوني، وكنت شاكرة جدا لقرارها ده.
بدأت أتوتر مع إقتراب ساعة الإنتقال لمستشفى جزيرة بلاكويل. كنت مرعوبة من كل حد يدخل المستشفة أحسن يكون يعرفني ويكشفني على آخر دقيقة. 
إدوني هدومي كاملة مع شال، كنت بلبس بالعافية من كتر من أنا جسمي كله بيترعش.
وأنا ماشية طلعت باقي الفلوس الي كنت مخبياها وإديتها لماري، قالت لي:
" الله يستر طريقك، هادعيلك دايما. إنت صغيرة لسه وكل ده هايعدي."
ودعت باقي الممرضات، وسحبوني لعربية الإسعاف. غطيت وشي وقعدت آخر العربية، ولدهشتي لقيت السيدة الألمانية ركبوها معانا أنا ووالآنسة نيفيل والآنسة مايارد والسيدة فوكس. دخل ممرض معانا وقفل الأبواب وإتحركت العربية بينا. الريحة كانت بشعة وزاد عليها ريحة الممرض ده، كان هايغمى عليا.
اما وصلنا الميناء، كان في عربية شرطة بتبعد الناس علشان مايتجمهروش حوالينا واحنا بنركب القارب. طلعونا من العربية وحطونا في كابينة خشب صغيرة على سطح القارب . الأوضة كانت ريحتها وحالتها بشعة جدا.. وبدأت رحلتنا للمجهول..

اما وصلنا الميناء، كان في عربية شرطة بتبعد الناس علشان مايتجمهروش حوالينا واحنا بنركب القارب. طلعونا من العربية وحطونا في كابينة خشب صغيرة على سطح القارب . الأوضة كانت ريحتها وحالتها بشعة جدا.. وبدأت رحلتنا للمجهول..
الكابينة كانت ريحتها صعبة جدا وقذرة كأنها ما إتنضفتش من يوم ما إتبنت. كان معانا فيها بنت مريضة نايمة وست معاها سلة فيها بواقي عيش ولحمة. باب الكابينة كان واقف عليه إتنين حارسات كل واحد فيهم ضخمة وغليظة ومنظرها مرعب، فما بالك بإتنين. كلما واحدة فينا كانت تتحرك أو تحاول تبص من الشباك كانت تشخط فيها: أترزعي مكانك!
وتقوم عاقدة حواجبها وباصة بصة شريرة أوي. وهم بيحرسوا الباب من جوه كانوا بيتكلموا مع رجالة تانية على القارب بره وبيتناقشوا حوالين عدد المرضى وبعدين الكلام تطرق لأمور شخصية ماليش فيها.
وقف القارب ونزلت منه الست أم سلة والبنت المريضة وقالوا لنا نقع مكاننا مانتحركش. ومشي القارب شوية وبعدها وقف تاني وطلعونا واحدة واحدة وكل واحدة مننا كان بييجي يخرجها ست وراجل من العاملين في المستشفى. مشيت مع الي جم ياخدوني وطلعت من القارب للشاطيء. كان في عربية إسعاف واقفة شوفت فيها البنات الي كانوا معايا في القارب. سألت الرجل الي كان ماسكني وصوابعه غارسة في دراعي:
" إيه المكان ده؟"
" جزيرة بلاكويل، حتة بيقعد فيها المجانين ومابيخرجوش منها أبدا."
رماني جوه عربية الإسعاف ودخل رجلين تانيين وقفلوا الباب ومشيت العربية في إتجاه مستشفى جزيرة بلاكويل للأمراض العقلية.
_______________________________
الفصل الثامن:
كنت متصورة إن مع إقترابي من هدفي هاكون سعيدة، لكن سعادتي راحت وأنا بشوف حواليا كمية التعاسة الي على وشوش البنات الي معايا. مساكين، رايحين سجن أبدي مافيش أمل في الخروج منه.
قربنا من بمنى كبير، وعديا من قدام مبنى تاني أقصر طالع منه ريحة بشعة كنت هاتخنق بسببها، غالبا المبنى ده كان المطبخ! في نهاية الطريق كان في يافطة مكتوب عليها " ممنوع الزوار" وهي يافطة مالهاش لازمة لأن محدش هاييجي هنا بمزاجه أبدا.
وقفت العربية والممرضة الضابط الي كانوا راكبين فيها نزلوا وقالت الممرضة:
" الحمد لله ماعملوش مشاكل في السكة."
نزلنا وتبعنا التعليمات الي قالوا عليها وطلعنا كم سلمة سوا. مش عارفة البنات الي معايا عارفين إحنا فين ولا لأ. سألت تيلي مايارد:
" هو إحنا فين؟"
قال في حزن:
" في مستشفى بلاكويل للمجانين."
" هو إنت مجنونة؟"
" لا..بس طالما جابونا هنا يبقا لازم نفضل هاديين لحد مانلاقي طريقة نهرب بها. غالبا الدكاترة هنا زي دكتور فيلد، مش هايرضوا يسمعوني أو يسيبوني أثبت إني عاقلة وإن الي تعابني بس إلتهاب أعصاب من الحمى."
رغم ثقتي في عقلي ومعرفتي إني هاخرج من هنا خلال أيام، بس قلبي إتقبض. في اربع دكاترة مختلفين أكدوا إني مجنونة ورموني ورا قضبان مستشفة مجانين قاسية.
دخلونا مبنى وقفلوا علينا، من هنا ورايح كل اأيامي التالية هاتكون في صحبة مجانين رسمي. هاكل معاهم وأنام معاهم وأعتبر نفسي زيهم.
مشينا ورا الممرضة لحد ما دخلتنا أوضة مليانة سيدات مريضات عقليا. قالولنا نقعد، وتطوعت بعض النزيلات مشكورات بإفساح مكان لنا. كانوا بيبصوا لنا في فضول، واحدة منهم قامت وقربت مني وسألتني:
"من الي بعتك هنا؟"
" الدكاترة"
" ليه؟ هه؟"
" بيقولوا إني مجنونة."
" مجنونة؟! كلام فاضي."
الست دي ذكية جدا، وإرتحت أما بعدت عنها وتبعت التعليمات إننا نروح مع الممرضة الي جابتنا علشان نتعرض على الدكتور. الممرضة كان إسمها الآنسة جروب وكانت رفيقة بنا. دخلتنا حجرة إنتظار صغيرة وقف ورا مكتب، شوية ونادت على تيلي مياراد ودخلتها للدكتور. رغم إني ماكونتش شايفة في إيه جوه أوضة الكشف بس سمعتها بتدافع عن عقلها بإستماتة. كانت بتترجى الدكتور يععمل لها كل الأإختبارات الممكنة علشان تثبت إنها عاقلة. قلبي وجعني أوي عليها، مسكينة!.عاهدت نفسي إن مهمتي تكون علشان كل المظلومين الي إترموا هنا من غير كشف لائق وهاعمل كل حاجة أقدر عليها علشان أخرج كل العاقلين من هنا.
أما دخلت السيدة لويز تشانز جوه سألوها في قسوة عن إسمها لكنها مكانتش بتعرف تتكلم إنجليزي. فقالت بالألماني إنها لا بتتكلم ولا بتفهم إنجليزي. الممرضة الآنسة جروب كانت من أصل ألماني وطلب الدكتور منها تتكلم وتترجم، لكن واضح إن الممضة كانت من الناس الي بتستعر من أصلهم فرفضت وقالت إنها مش فاكرة الألماني أوي. للأسف تم إيداع السيدة تشانز المصحة من غير فرصة حتى للكشف عليها. سهل أوي كده ناخد حرية الناس للابد من غير ما نتعب نفسنا شوية ونديهم فرصة الدفاع عن نفسهم؟! من غير مانفهمهم هم فين وليه؟ حتى القاتل بيدوه فرصة يدافع عن نفسه!
السيدة تشانز فضلت تعيط وتقول كلام مش فاهماه، بدو إنها كانت عايزة تخرج وبتترجاهم، وصتها راح وسط بكائها وهم بيسحبوها بره المكتب وبيخرجوها بره.
البنات التانيين دخلوا وسابوني للآخر، وقررت إني هاتعامل بشكل طبيعي جدا بس مش هاقول أنا مين ومنين.
__________________________
الفصل التاسع
خبير

قالت الآنسة جروب:
"نيللي براون، ادخلي للدكتور."
دخلت وقعدت قدام دكتور كينر. سألني من غير ما يبصل لي ولا يفرع راسه عن الورق قدامه:
" إسمك؟"
" نيلي براون"
" بيتك فين؟"
" كوبا"
بص الدكتور للممرضة وسألها:
" مافيش حاجة في الجرايد عنها؟"
" كان في خبر عنها يوم الأأحد."
" خليها لحد ما أشوف الخبر الي في الجرنال."
قام وسابنا شوية وأما رجع قال إنه مالقاش الجريدة. سأل الممرضة وهو بيكتب قدامه:
" عينيها لونها إيه؟"
" رمادي."
مع إن كل الناس بما فيهم أنا عارفين إن عينيا بني!
سألني الدكتور:
" عندك كم سنة؟"
" 19"
بص للمرضة وسألها:
"أجازتك الجاية إمتى؟"
" السبت الجاي"
" هاتنزل المدينة؟"
الإتنين ضحكوا معرفش في إيه بينهم. بعدها طلب منها تقيس طولي. فقوفتي الممرضة قدام مقياس وثببته عند راسي. سألتها:
" طولي كم؟"
"مش هاينفع أقولك."
" لا ينفع..كم؟"
" في ارقام كده ماتشغليش بالك."
" لا هاشغل بالي، قوليلي طولي كم؟"
" خدي قيسي لنفسك بقا!"
وضحكت هي والدكتور تاني! والدكتور قام علشان يشوف طولي بنفسه. قال لها وهو بيلمس إيدها كأنه مش قاصد:
" خمسة قدم وخمسة بوصات..مش شايفة؟"
ماليش دعوة، بس في حاجة مش تمام بتحصل هنا. هم حرين في بعض. وقفت على الميزان وفضلت تضبطه لحد ما إتوازن. سألها الدكتور من ورا مكتبه:
" كم؟"
" معرفش، شوف بنفسك."
ناجت عليه بإسمه المجرد والي للأسف نسيته بس لفت نظري. قام وخبط فيها وبص على الميزان وقال 112 باوند.
سألني كم سؤال في الآخر قلت له:
" انا مش مريضة ومش عايزة أقعد هنا. محدش له حق يحبسني هنا."
كتب ملاحظاته وبعتني مع باقي رفقات رحلتي لغرفة المعيشة العامة.
سألتني بنت من الي معايا لو بعرف أعزف يبانو، قلت لها من زمان وانا بعزف.
كان في بيانو قديم جدا في ركن، قعدت على كرسي قدامه وبدأت أعزف لهم. قلت للمرضة الآنسة مكارتن الي كانت واقفة جنبي:
" عزفي فظيع..البيانو محتاج يتضبط."
" معلش هانبعت نستورد لك واحد جديد."
كملت عزف المقطوعة الي كنت بعزفها عندا فيها بس، وماحبيتش أعزف تاني رغم إن النزيلات كانوا سعداء. مالاقيتش مكان أقعد فيه ففضلت قاعدة على كسي البيانو وبدأت أشوف المكان والناس الي حواليا.
الأوضة كانت طويلة وفاضية إلا من صفوف من المقاعد الصفرا غير المريحة. كل مقعد كان يساع خمس أشخاص، بش كان قاعد عليه ستة. الشبابيك مكانش عليها ستاير وكانت على إرتفاع خمس أقدام عن الأارض. في منتصف ألوضة كان في ترابيزة طويلة متغطية بملاية سرير وحواليا كانت الممرضات قاعدين. كل حاجة كانت نضيفة جدا بالمناسبة واضح إن الممرضات بيتعبوا في التنضيف، لكني كنت ساذجة أما كنت فاكرة إن الممرضات بيشتغلوا أصلا.
أما لقوا إني مش ناوية أكمل عزف، قامت الممرضة مكارتني وقال لي في غلظة:
" قومي من هنا."
ممرضة تانية من القاعدين قالت لي:
" آنسة براون، تعالي..إنت لابسة إيه؟"
" هدومي!"
فتشت هدومي ودونتهم في ورقة قدامها على إنها جزمة وشراب وفستان قماش وقبعة قش!


الفصل التاسع
عشائي الأول

سمعنا واحدة من الممرضات بتنادي بصوت عالي:
" أخرجوا للقاعة."
واحدة من المريضات تكرمت وشرحتلنا إن ده نداء للعشاء. أنا والبنات الجداد الي معايا كنا مع بعض على طول، ومشينا سوا للمكان الي إتجمعت فيه النزيلات القديمات. كنا بنترعش من البرد، الشبابيك كلها كانت مفتوحة والهواء كان بيعوي في القاعة كأننا في قصة رعب. البمريضات كانوا مزرقين من البرد، ووقوفنا على باب القاعة إمتد لساعة يمكن لحد ما جت ممرضة ودخلتنا وجت قعدتي برضو قدام شباك مفتوح.
قعد أنا ورفيقاتي جنب بعض، وباقي المريضات كانا حوالينا في حالة مزرية. الي بتترعش والي بتكلم نفسها والي بتعيط أو بتضحك بدون سبب. كان في ست عجوزة شعرها أبيض قعدة جنبي كل شوية تنغزني وتلعبلي حواجبها. محدش فيهم كان واعي بنفسه ولا بغيره بالتالي أنا الي كنت بتعذب بيهم وبألهم.
الترابيزة الي كنا قاعدين حواليها كانت طويلة جدا وعلى جانبيها مقاعد عريضة بدون ضهر. على الترابيزة كان في أطباق غويطة كبيرة فيها سائل لونة على محمر شوية النزيلات بيقولوا إنه والله أعلم شاي! وكان في أطباق فيها عيش متقطع قطع سميكة ومدهون زبدة. مريضة سمينة جابت طبقها الفاضي وحطت فيها عيش وملت كوبايتها شاي وأكلت وشربت بسرعة وبدأت تملا طبقها وكوبايتها تاني لدرجة إنه أخدت العيش بتاعي كمان!
مريضة تانية لاحظت الي حصل فعرضت عليا آخد أكلها لكني رفضت بلطف، وطلبت من الممرضة أكل تاني. الممرضة رمت قدامي لقمة عيش وقال إني نسيت بيتي فين ومانسيتش آكل!
جربت العيش بس الزبدة كان طعمها وحش جدا ماتتاكلش وواضح إنها بايظة. بنت المانية كانت قاعدة قصادي قالت لي إني ممكن اطلب عيش من غير زبدة لو عايزة لأن قليل منهم الي بيتقبل طعم العيش بالزبدة دي. كان في طبق فيه برقوق مجفف، لكن مريضة جنبي أخدته. مكانش فاضل قدامي إلا الشاي. دوقته، وشفطة واحدة كانت كفاية أوي.. طعمه نحاسي بشع. مريضة تانية اخدته مني أما لقتني مش عايزاه.
رفيقتي الآنسة نيفيل قالت لي:
" لازم تاكلي والا هاتعيي..يمكن تتجنني كمان مع الي الي حواليكي دول. لازم ناكل انا وانت ونحافظ على صحتنا وعقلنا لحد مانعرف نهرب."
" مستحيل آكل القرف ده."
رغم كل محاولاتها لإقناعي ما أكلتش. باقي المريضات كانوا بياكلوا كل ما يمكن أن يؤكل على الترابيزة. بعد ما الأكل خلص فتحوا ابواب القاعة وأرونا نرجع حجرة المعيشة المشتركة تاني.
المريضات طلبوا مني أعزف تاني، وغنت معايا الآنسة تيلي مايارد أغنية مهد جميلة.
_________________________
الفصل العاشر
في الحمام

غنينا شوية لحد ما طلبوا مننا –النزيلات الجدد- نروح مع الآنسة جروب. دخلتنا أوضة باردة مبلولة  وطلبت مننا نخلع هدومنا ولو رفضنا هايضطروا يستخدموا العنف. مكانتش دي المشكلة خالص، المشكلة إن جنب بانيو من الموجودين في الحمام كان في ست مجنونة تماما واقفة وماسكة حتة قماش قذرة وخشنة وكانت بتكلم نفسها وبتتخانق مع روحها. عرفت الست دي هنا ليه وإيه الي هايتعمل فيا. كنت بترعش وانا باصة للست دي، والممرضات بيقلعوني هدومي لحد ما وصلوا للملابس الداخلي فقلت لهم:
" مش هاقلع أكتر من كده."
غصب عني قلعولني باقي هدومي. بصيت لمجموعة المريضات الواقفين عند باب الحمام بيفرجوا عليا فنطيت جوه البانيو بسرعة من الكسوف.
المية كانت متلجة، فضلت اترعش وارتجاهم يسيبوني أطلع بس محدش كان مديني أي إنتباه. بدأت الست المجنونة تفرك جسمي بالقماشة القذرة وصابون الغسيل. كانت بتفرك وشي وشعري بنفس القماشة وماكونتش شايفة ولا عارفة اتنفس. جسمي إزرق والست لسه بتفرك بالمقماشة وتكلم نفسها. فجأة لقيت تلات جرادل مية متلجة بيترموا عليا من فوق..إحساس بالضبط كأني بغرق. حد شدني طلعني من البانيو وبصيت للبنات الي كانوا معايا، كانوا مرعوبين من منظري. معرفش ليه بدل ما أعيط فضلت أضحك بصوت عالي وهم بيلبسوني ملابس داخلية قطن وواسعة ومطبوع عليها " مصحة المجانين" وتحتها أرقام وحروف متفرقة.
هدومي أتبلت طبعا لأنهم مانشفونيش، وسابوني وراحوا يقلعوا الآنسة مايارد، وطبق الأصل الي حصل لي، لكن مايارد كانت بتترجاهم مايغسلش اسها جامد لأن جلدها لسه ملتهب من مرضها الأخير، لكن محدش إهتم وفضلت تصرخ من الألم وشعرها بيطلع في إيديهم من التهاب فروة راسها والفرك بالقماشة بعنف. طلبت مايارد من الست المجنونة تخف إيدها شوية، فالممرضة جروب قالت لها:
" إخرسي وإلا هاتشوفي الي عمرك ماشوفتيه."
بعد الحمام دخلوني أوضة فيها ست سراير، مجرد ماقعدت على سرير منهم دخلت ممرضة تاني وشدتني وقالت لزميلتها:
" نيلي براون لازم تتحط في اوضة لوحدها الليلة علشان التقرير بيقول إنها بتقلب بلليل ومش عايزين دوشة، لحد مانشوف هاتعمل إيه."
ودوني أوضة رقم 28 وقفلوا الباب بسرعة ومشيوا. بصراحة مش قادرة أوصفلكم السرير.. السرير كان متصمم بحيث يكون عالي من النصف ومايل من الجنبين! أول ما حطيت وشي على المخدة غرقتها مية من شعري وجسمي غرق الملايات. أما جت الممرضة جروب سألتها لو ينفع تجيبلي هدوم البسها غير المبلولة، لو كان في جلباب نوم مثلا أو حاجة.
" مافيش الكلام ده."
" هنام إزاي كده طيب؟"
" وانا مالي؟ انت في مستشفى عام مجاني ماتتوقعيش نلبيلك طلباتك. إحمدي ربنا على الي إنت فيه."
" بس المدينة بتدفع للمؤسسات الخيرية والناس بتتبرع كمان لمساعدة تعساء الحظ الي بييجوا هنا، يبقا ليه مافيش هدوم؟"
" المدينة والناس مش أنا، محدش يسألني عن حاجة."
وخرجت وقفلت الباب وراها.
تحتي كان في ملاية مبلولة وتحتها مشمع، وفوق كان في غطا صوف خشن، وعمري ما تخيلت إن في إحساس أسوأ من ملمس الصوف الخسن على الجلد المبلول البارد. كنت مضطردة اتغطى كويس علشان الجو كان بارد جدا جدا، غير ان الغطا صغير ولو شديته علشان اغطي ضهري رجليا بتتعرى.
مكانش في أي حاجة تاني في الأوضة غيري والسرير. افتكرت انهم هايسيبوني في حالي بقا، بس سمعت صوت ممرضتين بيعدوا على كل اوضة ويفتحوا بابها وشوية ويقفلوه. لحد ما وصلولي وفتحوا بابي. لقيت الي داخلين عليا لابسين فستاين بني بخطوط بيضا عليها مرايل بيضا، ومربوط على وسط كل واحد بحب أخضر سلسلة مفاتيح. واحدة منهم كانت شايلة مصباح زيت قربته من وشي وقالت لزميلتها:
"دي نيلي براون."
" إنتي مين؟"
ردت عليا:
" انا ممرضة الليل يا حبيبتي..نامي ماتخافيش."
مشيت، ورجعت كذا مرة خلال الليل ومكونش عارفة انام من دخلوهم المتكرر.
قعدت في السرير، مافيش نوم بقا، وفضل ييجي في بالي أفكار عجيبة. مثلا لو المصحة ولعت، وكل الأبواب مقفولة كده بالمفاتيح هانهرب إزاي؟
عرفت بعد كده إن في مبنى واحد كل أوضة فيها من مريضة لعشر مريضات. حدوث حريق أمر ممكن، ومحدش هايفكر يعدي على كل أوضة يفتحها بالمفتايح ويطلع المجانين منها. مع المعاملة الي شوفتها النهاردة بس أجزم إنهم هايسيبوا النزيلات يتفحموا ومش هايفكروا مرتين.
لاحقا أما إتعرفت على دكتور إنجرام سألته في حالة حدوث حريق إيه الي هايحصل، قال :
" الممرضات هايفتحوا الأابواب طبعا."
" بس غنت عارف إنهم مش هايعملوا كده والنزيلاته هايتحرقوا."
سكت وماقدرش يتناقش معايا في النقطة دي. أنا صح.
سألته:
" ليه ماتغيروش الاقفال دي؟"
" إيه في إيدي أعمله؟ أنا اقترحت كتير تعديلات على كل حاجة لحد ماتعبت. لومكاني هاتعملي إيه؟"
"هاصر إن مايكونش في أقفال بمفاتيح زي ما بيحصل في باقي المستشفيات. في قفل عامل عبارة عن رافعة كده بتقدر من خلاله الممرضة تفتح وتقفل كل الأبواب مرة واحدة. كده سهل لو في حريق يفتحوا كل الأبواب مع بعض بسرعة."
لف لي الدكتور إنجرام وقال لي:
" نيلي براون، إنتي شوفتي مصحات تانية فين؟ إتحجزتي فين قبل ماتيجي هنا؟"
" مادخلتش أي مصحة، يادوب كنت في مدرسة داخلي."
" أمال شوفتي الأقفال الي بتقولي عليها دي فين؟"
ماقدرتش طبعا أقول له إني شوفتهم أثناء تحقيقاتي الصحفية السابقة في بيتسبيرج، فقلت له:
" شوفتهم في مكان كنت رايحة في زيارة."

قبل الفجر بدأت أنام، مجرد دقايق لحد ما جم يصحوني تاني وشدوا مني هدومي وفتحوا الشبابيك. شعري كان لسه مبلول وجسمي مكسر. رمولي فستان بسيط قديم على الأارض وقالولي البسه. طلبت فستاني فقالولي إنه إتاخد خلاص، وأمروني أكون هادية في حضرة رئيسة التمريض الآنسة جرادي.
الفستانالي إدوهولي كان متجمع من بواقي فساتين تانية، البطانة كانت أطول من الفستان نفسه، النصف العلوي كان عليه بواقي بقعة وواسع جدا ومتخيط بشكل عشوائي في النصف السفلي. قعدت على السرير أضحك على منظري. كان نفسي أشوف نفسي في المرايا!
شوف المريضات التانيين بيجروا قدام القاعة فقولت أجري معاهم علشان مايفوتنيش حاجة. كنا 45 مريضة في قاعة رقم 6، ودونا بعدها الحمام الي كان فيه فوطتين بس، وكله كان بينشف وشه ورا بعض مع وجود مريضات عندهم مشاكل وحبوب وقروح في وشهم بس كنا مجبرين نستخدم نفس الفوطة مكانهم، بس أنا غسلت وشي عادي ومسحته في بطانة فستاني.
قبل ما اخرج من الحمام لقيتهم جابوا كرسي ودخلت الآنسة جروب والآنسة مكارتن ماسكين أمشاط شعر، وكل مريضة تقعد كانت الممرضتين تسرحهم بالمشطين بعنف وبنفس المشطين يسرحوا المريضة الي بعدها عادي. رفيقتي تيلي مايارد كان معاها مشط بتاعها بس أخدوه منها إمبارح. 
قعدت قدام الممرضتين، وشعري الي كان شبه مبلول ومتعقد من إمبارح فضل يتشد ويتقطع في إيديهم وانا بجز على أسناني علشان ما أصرخش. بعدها لفوا شعري كحكة وربطة بحته قماش قديمة. قُصتي القصيرة كانت منفوشة ومارضيتش تتسرح لورا مع باقي شعري، فكان شكلي غريب فعلا.
روحنا بعد كده لحجرة المعيشة المشتركة وفضلت أدور على رفيقاتي بعد ما غيرولهم هدومهم المميزة وربطوا شعرهم. اخيرا ميزت مايارد بشعرها القصير. روحت قعدت جنبها فسألتني:
" نمتي إزاي بعد الحمام المتلج بتاع إمبارح؟"
" معرفتش أنام، من البرد والدوشة والتوتر."
المهم حاولت أغير الموضوع وأضحكها شوية واتريق على هدومنا العجيبة بس هي انت متضايقة ومتألمة فعلا.
كنا صحينا خمسة ونص، والساعة سبعة وربع نادوا علينا علشان نروح القاعة علشان الفطار. لقيت الفطار شاي بارد وعيش مدهون زبدة وطبق شوفان مطبوخ عليه عسل أسود. كنت جعانة بس ماقدرتش أبلع الأكل ده خالص، فطلبت عيش من غير زبدة، جابوهولي وكان عيش أسود قديم جدا مابيتقطمش أصلا ولقيت عنكبوت ميت فيه فما أكلتهوش. جربت آكلالشوفان بس كان معجن جدا وبارد، فجيت على نفسي وشربت الشاي.
بعد ما خلصنا أكروا عدد منا بتنظيف السراير ، وعدد تاني بتنضيف الأارضيات وهكذا، كان كل شعل المصحة متقسم علينا حتى إننا كنا بننضف أوض الممرضات ونغسل لهم هدومهم.
الساعة تسعة ونص نادوا على النزيلات الجدد الي أنا منهم علشان يتعرضوا على الدكتور. الدكتور ده كان شخص قذر متحرش، كان بيكشف علينا ويطول أوي في كشف الصدر والقلب وهو نفس الدكتور الغبي الي كشف علينا إمبارح وكان بيغازل الممرضة قدامي.
بعد ما رجعت حجرة المعيشة تاني لقيت رئيسة التمريض الآنسة جرادي ماسكة المفكرة بتاعتي وقلمي وبتقلب فيهم. قلت لها:
" لو سمحتي عايزة مفكرتي وقلمي، بحتاجهم علشان أقدر أفتكر."
" أقعدي ساكتة بعيد. مافيش مفكرات ولا اقلام."
بعد أيام أما قابلت دكتور إنجرام وطلبت منه المفكرة والقلم قال لي إنه هايحاول يجيبهوملي، بعد كم يوم سألته عنهم قال لي إن الآنسة جرادي قالت إن مكانش معايا مفكرة ولا قلم أصلا وإني لازم أحار الأوهام الي في دماغي دي!
بعد ما خلصنا باقي الشغل والتنضيف، قالولنا نروح القاعة وهايوزعوا علينا شيلان وقبعات علشان التمشية اليومية. المريضات كان نفسهم أوي يشموا الهوا فجريوا كلهم وكل واحد أخدت شال مقطع وقبعة مخرمة قش.
________________________
الفصل الثاني عشر
الإختلاط بالآخرين.

عمري ما هنسى أول تمشية ليا في المصحة. بعد ما كل واحد فينا اتلفت في الشال ولبست القبعة القش مابقتش قادرة أميز النزيلات من بعضهم.كنا واقفين اتنين اتنين مع بض، ولقيت الآنسة نيفيل رفيقتي فوقفت جنبها وقعدنا نضحك على القبعات القش دي.
خرجنا في الصفوف دي بتحرسنا الممرضات. كنا كتير وشكلنا مزري جدا وتعيس للغاية. عيونهم كانت فاضية ووشوهم شاحبة كأنهم موتى وهم ماشيين ببطء وشرود مش واعيين بحاجة. المنظر كان مرعب جدا.
لاحظت مجموعة مرضى ريحتهم كانت بشعة ونضافتهم متدنية.
سألت مريضة قريبة مني:
" من دول؟"
" دول المرضى الخطرين، محجوزين في مبنى قصير لوحدهم."
كان منهم الي بتكلم نفسها والي عمالة تزق في الي حواليها والي بتصلي والي بتزعق. كانت أتعس مجموعة بشر شوفتها في حياتي. اما قربوا مننا شوفت حاجة غريبة جدا جدا. المريضات دول كانوا مربطوين ببعض بحبل متوصل بأحزمة حوالين وسطهم، والحبال دي مربوطة من الناحية التانية بعربية حديد ثقيلة هم بيجروها! راكب في العربية دي ممرضات وبيستغلوا المريضات في جر عربات التنقل بدل الخيول!
متخيلين المنظر؟ إستنادا على كلام أحد الاطباء في 1600 مريضة في بلاكويل فكم واحدة فيهم بتتعامل معاملة زي كده؟ وليه؟
قلبي كان بيتقطع علشانهم، منهم سيدة عجوزة عمياء كانت بتكلم نفسها وبتتعثر جم ممرضات وشدوها وسحلوها علشان تقف كويس وتجر مع المريضات التانيين.
بصيت حواليا على المرزوعات الجميلة، والي كنا ممنوعين نقرب منها أو حتى ناخد ورقة شجر واقعة على الأرض. إيه فايدة كل الحضرة دي وإحنا مش قادرين حتى نبص لها علشان تريح نفوسنا شوية؟
كان في لافتة مكتوب عليها " لن نفقد الأمل طالما حيينا" بصراحة استفزتني جدا، أمل إيه؟ كنت عايزة أغيرها بواحدة مكتوب عليها " أيها الداخلون اطرحوا خلفكم كل أمل."
طول فترة التمشية كنت منزعة من وشوشة الممرضات عليا وكل شوية يبصولي أو يشاروا عليا ويتكلموا. واضح إن قصتي مسلية أوي بالنسبة لهم. 
في ميعاد الغداء كنت جعانة جدا لدرجة إني كان ممكن آكل أي حاجة. برضو وقفونا ساعة قدام باب القاعة لحد ما سمحوا لنا بالدخول. الأطباق الي كانوا بيحطولنا فيها الشاي حطولنا فيها دوقتي شوربة، وفي طبق تاني كان في بطاطساية واحدة باردة وحتة لحمة ريحتها مش مضبوطة. مكانش في شوك أو سكاكين، والمريضات كان شكلهم وحشي أوي وهم ماسكين اللحمة وعمالين ينهشوها ويشدوها بأسنانهم، وطبعا الي معندهومش أسنان ماقدروش ياكلوا. إدنا بس معالق علشان الشوربة وحتة عيش، ومكانش مسموح على الغدا بشاي أو قهوة.
كنت بدأت أدوخ من قلة الأكل، وإضطريت آكل العيش. أكلته كلهماعدا الحواف الجافة الي مكانتش بتتقطع.
المشرف الطبي دخل علينا وبدأ يسأل بطريقة آلية بادرة عن أحوالنا وصحتنا. محدش في المريضات كانت بترد عليه رغم معاناة عدد منهم من البرد إلا إنهم كانوا عارفين إنهم لو إشتكوا الممرضات هاتضربهم.
المشكلة كانت في الأاوقت الي ماكوناش بتعمل فيها حاجة. اما كنا بتقعد الممرضات كانوا بيأمرونا نقف، لو وقفنا بيقوللونا اقعدوا ماتقفوش. لو إتكلمنا يقولنا إسكتوا..في حاجة ممكن تخلي السليم يتجنن قد المعاملة دي؟! عايزين حد من الدكاترة يعمل تجربة ويجيب واحد سليمة يقعدها ساعات بدون كلام ولا حركة ولا حاجة تقراها وياكلها أكل ماياكلهوش حيوان ويحرمها من النوم كل يوم، ويشوف عقلها هايحصل له إيه. هم شهرين كفاية أوي علشان تتجنن وتفقد صحتها الجسدية.
وصفتلكم أول يوم في من أيامي في المصحة، التسع أيام التالية كانت نسخة منه فيما عدا إختلافات طفيفة. أسوأ حاجة كانت الأاكل، أكل فاسد مليان حشرات ومع الجوع كنت بتشوف المريضات بتكالبوا عليه ويخطفوه من بعض. مكانش في ملح في الأاكل كانوا بيحطوا خل على أي حاجة معرفش ليه، غالبا كمطهر لأن الأكل كله كان فاسد،  وده كان بيخلي طعم الأاكل بشع. ساعات كانوا بيجيبولنا سمك مسلوق في ميه بس، لكم ان تتخيلوا طعمه، حتى المريضات الخطرات كانوا بيقرفوا ياكلوه وكانوا بيتضربوا.
أثناء تمشيتنا اليومية كنا بنشوف الأأكل الي باعتاه المدينة والمتبرعين بيتطبخ للدكاترة والممرضات. كان في فراخ ولحوم وعيش طازة وفواكة من كل نوع. أما إشتكيت للدكاترة محدش فيهم إهتم بكلامي.
كنت حزينة وانا شايفة البنات الي جم معايا بيدبلوا خلال أيام. مكانوش قادرين ياكلوا ومنظرهم كان بيشجع المريضات القدمي يعترضوا أحيانا كنا بنتضرب كلنا بسبب ده.
لحد ما أضربت بنت إسمها لويز عن الأاكل أربع أيام، وتاني يوم مالاقيناهاش معانا..
______________________

كنت حزينة وانا شايفة البنات الي جم معايا بيدبلوا خلال أيام. مكانوش قادرين ياكلوا ومنظرهم كان بيشجع المريضات القدمي يعترضوا أحيانا كنا بنتضرب كلنا بسبب ده.
لحد ما أضربت بنت إسمها لويز عن الأاكل أربع أيام، وتاني يوم مالاقيناهاش معانا..
من خلال الكلام الي سمعته بين ممرضتين عرفت إنها بتعاني من إرتفاع شديد في درجة الحرارة وإنها طول الوقت بتصلي ووبتتمنى الموت من ربنا. لقيت الممرضات برضو بيجيبوا للويز نفس الأكل المقرف بتاعنا الي ما يتبلعش، هل ده أكل ينفع لواحدة مريضة وعندها حمى؟! الممرضة مكارتن قاست درجة حرارة لويز ولقيتها 40، وبلغت الآنسة جروب بها وكنت واقفة فسمعتهم، ولقيت الآنسة جروب بتكتب في التقرير إن درجة حرارة لويز 37!.
أما زميلتي تيلي مايارد كانت أكتر واحدة بتعاني من البرد، وكنت بحاول طول الوقت أضحكها وأسري عنها.
العصر جت مشرفة التمريض ومعاها دكتور، وقاس درجة حرارتي ونبضي، قلت لهم إن الجو برد جدا وإني مش محتاجة مساعدة طبية دلوقتي بس زميلي تيلي مايارد تعبانة ولازم يهتموا بيها مش بيا أنا. ما أهتموش بكلامي، لكن لقيت تيلي قامت وراحت تتكلم معاهم وقالت لهم إنها عيانة من البرد بس محدش إهتم بيها. طبعا كان واضح إن إهتمامهم بيا كان نابع من توصية القاضي عليا مش أكتر..كل ده ومهتمين بيا، أمال لو من غير توصية كانوا عملوا إيه؟؟
المهم بعد ما الدكتور مشي الممرضات مسكوا تيلي وسحبوها وقعدوها بالعافية على كرسي وفضلوا يهددوها علشان ماتروحش تتكلم مع الدكتور منها لنفسها كده تاني. سمعت الدكتور واقف بره القاعة الي كنا فيها وبيقول لمشرفة التمريض إن نبضي وعينيا ما يدلوش على إني مجنونة، لكن رئيسة التمريض قال إن كل الدكاترة قبل كده قالوا إني مجنونة عادي وفي حالتي بالذات الأدلة على جنوني ما تنفعش بالنبض وكشف العين! الدكتور قال لها إن تعبيرات وشي ونظراتي واعية تماما، لكنه ما إتصرفش على أساس شكه ده ومافرقش معاه وجود واحدة عاقلة في مكان زي ده لباقي عمرها.
الدكتور طلب يصرفولنا هدوم أتقل أو أغطية، وفعلا وزعوا علينا ملابس داخلية تقيلة وجواكت خفيفة بس ما إدوناش شيلان أو أغطية.
طول الليل كنت سامعة صوت صراخ مريضة من كتر البرد والأألم في جسمها، وفضلت تدعي تموت وترتاح من العذاب ده. مريضات في أوضة تانية ردا على صراخها فضلوا يرددوا : قَتَلة! ومريضات تانيين يهتفوا: عايزين الشرطة!
الصبح بعد روتين التنضيف بتاعنا للمكان، لقينا ممرضتين ومريضة قديمة جارين المريضة الي كانت بتدعي تموت بليل، لأول مرة أشوفها طبعا، كانت عمياء وعندها فوق السبيعن سنة وللأسف لبسها خفيف جدا زينا وكانت بتترعش وجلدها مزرق. قعدوها على كرسي فقالت في ذعر:
" هاتعملوا فيا إيه؟! أنا بردانة..بردانة أوي..ماتسبوني في سريري وتجيبولي غطا.."
قامت ومدت إيديها قدامها وفضلت تحسس على الحيطان علشان تمشي، لكن الممرضات كانوا بيزقوها علشان تقعد مكانها تاني، فكانت تبقعد على الفاضي وتقع ويفضلوا يضحكوا عليها وهي بتتخبط في الحاجات وهي قايمة وممنوع علينا نساعدها.
مرة تانية كانت نفس المريضة بتشتكي إن الأحذية التقيلة الي بيصرفهولنا بتوجع رجليها وتعمل لها قرح فقلعتهم، والممرضات كانوا بيخلوا مريضات تانيين يلبسوهالها بالعافية تاني وتالت وربع، وكانت الست بتصرخ وترفس، لدرجة إن كان في سب مريضات في مرة بيحاولوا يلبسوها الحذاء بالعافية ويضربوها علشان بتضربهم. الست العجوزة تعبت فنامت على مقعد طويل علشان ما تحطش رجليها على الأارض وتوجعها، فقوموها تقف بالعافية. كانت صعبانة عليا أوي. كانت عمالة تقول:
" هاتولي مخدة وغطوني..بردانة..بردانة..غطوني.."
بدل ما يسيبوها في حالها، لقيت الآنسة جروب قربت منها رمتها على الكرسي وقعدت فوقها وفضلت تحرك إيديها المتلجة على وش اليت العجوزة وجوه هدومها والست تصرخ من البرد وغيدين الممرضة المتلجة. الآنسة جروب كانت بتضحك والممرضات يضحكوا معاها ويعلوا زيها ويمسكوا رجليها من تحت الفستان بإيديهم الباردة.
ما شوفتش الست دي تاني معانا بعد اليوم ده، وقالوا إنها إتنقلت عنبر تاني..
______________________
الفصل الثالث عشر
ضرب وخنق المريضات

زميلتي تيلي مايارد كانت تعبانة جدا من البرد، الصبح لقيتها جت قعدت جنبي مزرقة وأسنانها بتتحبط في بعضها. قومت روحت للمرضات الي كانوا قاعدين وقدامها جواكت على الترابيزة الي في نص القاعة وقلت لهم:
" مش معقول تحبسوا الناس وفوق كده تسيبوهم يتجمدوا.. إدوها جاكيت من دول."
قالوا لي إنها زيها زي الباقي ماينفعش يدوها أكتر من حد تاني. تيلي فجأة بدأت تتترعش ومش عارفة تتنفس، السيدة نيفيل زميلتنا أخدتها في حضنها وكل المريضات إترعبوا لا تموت. واحدة من الممرضات قالت ببساطة:
" سيبيها تقع على ألارض وهي هاتعرف إن الله حق وتبطل."
السيدة نيفيل شتمتهم، وأمرتني الممرضة في غضب أروح مكتب المشرفة حالا. 
مجرد ما وصلت المكتب،لقيت المشرفة والدكتور الي كان بيعدي علينا قبل كده فقلت لهم إن الممرضات سايبيننا نتعذب في البرد وإن تيلي مايارد عيانة جدا وممكن تموت. ما قدرتش اسكت وإتفحت في الكلام عن الأاكل والمعاملة السيئة والممرضات الي بيخلونا ننضرف وراهم وبياخدوا أكلنا ولبسنا الي الحكومة والمتبرعين بيبعتوه لنفسهم، وإن علشان متوصي عليا بيخافوا يأذوني، لكن كل المريضات بيتأذوا ويتعذبوا.
راح الدكتور يشوف تيلي الي كانت لسه مزرقة وبتترعش ومش واعية، قرص وشها كتير لحد ما بقا أحمر وبدأت تفوق. لكن باقي الأيام التتالية كانت بتعاني من صداع رهيب مزمن وحالتها كانت بتسوء.
تيلي إتجننت؟ أكيد..كنت شايفة بعينيا الجنون وهو بيتسلل لعقل سليم..كنت بلعن الدكاترة والممرضات وكل المؤسسات العامة الي مالهاش ضابط ولا رابط. ممكن حد يقول إن تيلي كانت مجنونة من الأول، لو فرضنا كده، هل ده مكان ممكن نبعت فيه حد عنده إضطراب عقلي بسيط علشان يتعامل المعاملة دي؟
______________
اليوم التالي طلبت أقابل دكتور إنجرام، وهو مساعد الطبيب المسؤل عن المستشفى، والي توسمت فيه إنه ممكن يفهمني أو يتعاطف معايا. اشتكيت له من البرد، فاستدعى الممرضة جرادي وأمرها توزع هدوم علينا. بعد ما خرجت من عنده هددتني الآنسة جرادي إني لو مابطلتش شكوى مش هايكون كويس ليا ومش هايهمهم التوصية.
خلال الفترة الي فاتت كان في كذا حد بيدور على بنات مفقودة وكانوا بييجوا يشوفنوني، وفي يوم الآنسة جرادي وقفت على باب القاعة ونادت عليا:
" نيلي براون، عايزينك."
روحت لحجرة الإستقبال في نهاية القاعة وشوفت رجل أعرفه من سنين، وشوفت من تعجبه ومن إنعدام قدرته عن التعبير إنه إتفاجيء إنه شافني. في لحظة قرتت إنه لو قال إني نيلي بلاي هاقول إني عمري ما شوفته قبل كده. مكانش عندي غير كارت الجنون العب بيه. 
مع وجود الآنسة جرادي جنبي، ملت على الراجل وهمست له بسرعة:
" ماتفتنش عليا."
من تعبير وشه عرفت إنه فهم. قلت للآنسة جرادي:
" من ده؟ معرفوش."
سألته:
" تعرفها؟"
" لا لا..مش هي دي البنت المفقودة الي بدور عليها."
قالت له الةنسة جرادي في ضيق:
" لو ماتعرفهاش يبقا ماينفعش تقعد هنا." 
قادته الممرضة للباب، وخفت يطلع يبلغ زمايلنا الصحفيين إني جيت هنا بالغلط ويطلب منهم ينقذوني. استنيت لحد ما الممرضة مشيت من الباب التاني وقفلت الباب وراها. ناديت على الرجل وقلت له:
" سنيور..دقيقة لو سمحت."
لف ورجعلي، سألته:
" إنت بتتكلم أسباني؟" وبصوت واطي جدا قلت له: "انا في تحقيق صحفي."
رد على سؤال الأاول بصوت عالي:
" لا مابتكلمش أسباني." وأكد على كلمة مابتكلمش..وفهمت إنه هايحفظ السر.
__________________
محدش يقدر يتخيل قد إيه الأيام بطئيئة وطويلة في المصحات دي، وكنا بنستنى اي حاجة جديدة تحصل تدينا فرصة نلاقي كلام نقوله.
مكانش في كتب، ولا مسموح نتكلم أغلب الوقت ولا ننام إلا في مواعيد النوم. كنا بنستنى القارب ييجي ونتفرج على المرضى الجدد ونتصعب على حالهم. قاعة 6 كانت قريبة جدا من حجرة استقبال المرضى الجدد فكنا بنقدر نشوفهم على طول.
جت لنا مريضة إسمها يورينا، هقلها بسيط شوية وكانت مصممة إن عندها 18 سنة وهي أكبر بكتير وكانت بتغضب أما حد يقول لها إنها مش 18 أبدا. لكن الممرضات كانوا دايما يستفزوها بالموضوع ده ويضحكوا عليها أما تغضب. قال لها الأىنسة جرادي:
" يورينا..الدكتور بيقول إنك 33 سنة مش 18!"
 وتضحك الممرضات التانيين فتعيط يورينا وتصرخ وتفضل تقول إنها عايزة تمشي من هنا وإن الناس بتعاملها وحش أوي. بعد ما خلصوا فقرة الضحك وزهقوا، بيقوا يزعقلوها علشان تسكت. هيستيريتها زادت وفضلت تلطم وتخبط راسها في الحيطة، فتفتكروا يعملوا إيه علشان تهدا؟
يخنقوها!
خنقوها لحد ما إمى عليها وجروها وحبسوها في دولاب. بعد ساعات رجعوها القاعة تاني وللأسف كان في علامات صوابع مزرقة حوالين رقبتها.
____________________
واضح إن النوع ده من العقاب كان بيحمسهم يستمروا فيه أكتر، فبعد ما خرجوا يورينا رجعت الممرضات ومسكوا ست بشعر رمادي. كانت مجنونة وبتكلم نفسها طول الوقت بس عمرها ما كانت بتعمل دوشة أو تعلي صوتها. كانت مسالمة وكلامها رغي عادي خالص. المهم الممرضات مسكوها وشدوها وهي صرخت:
" الحقوني يا جماعة، ماتسيبوهومش يضربوني!"
" إخرسي!"
شخطت فيها الآنسة جرادي ومسكتها من شعرها وجردتها منه بره الأاوضة ورموها في الدولاب هي كمان. اما رجعوا كانت الأآنسة جرادي فرحانة أوي باللي عملته. وكانت بتحكي ده للدكاترة وإزاي إن الخنق والسحل بيخل يالمرضى يهدوا، ومكانوش بيعلقوا.
مريضة تانية معانا في قاعة 6 كان إسمها ماتيلدا، عجوزة المانية، إتجننت بسبب فقدها لممتلكاتها كلها. كانت جميلة ومكانتش مؤذية خالص. كل فترة كانت بتقف قدام الشباك وتعيد تمثيل مشهد المحكمة الي خسرت فيها فلوسها وممتلكاتها وتفضل تترجى القاضي مايصدقش الي أخدوا فلوسها. طبعا الممرضات كانوا عاملينها تسليتهم.
مرة كانت الأىنسة جرادي متخانقة مع الآنسة مكارتن، فجابت ماتيلدا وفضلت تحفظها مواقف خاصة عن الممرضة مكارتن علشان ماتيلدا ترددهم بصوت عالي في نوبات جنونها. لكن ماتيلدا رغم مرضها كانت اعقل من الكل، وقالت لها:
"عيب..عيب ماينفعش الكلام ده يتقال.."
شوفت يعينا الآنسة جرادي الحقودة بتبصق في ودن ماتيلدا، والأخيرة مسحت ودنها وما إتكلمتش.


الفصل الرابع عشر
بعض القصص المؤسفة

مع مرور أكتر من اسبوع عليا في المستشفى، قدرت أقرب من أغلب المريضات ال45 في قاعة 6. خلوني اقدم لكم بعضهم:
لويز، البنت الألمانية الي كانت مُضربة عن الطعام وجالها حُمى، حالتها إتطورت وبقت مقتنعة إن أرواح أمها وأبوها الموتى معاها دلوقتي. يتحكي وبتقول لي:
" الآنسة جرادي ضربتني كتير أوي، هي ومساعدتها. مش قادرة آكل الأاكل البشع الموجود ومش قادرة استحمل البرد وقلة الهدوم. بدعي كل يوم بليل بابا وماما ييجوا ياخدوني..كل يوم أدعي.. دخل عليا دكتور فيلد مرة وكنت تعبانة جدا وعمالة أدعي وأشتكي لربنا. قلت له: مش عايزة كشف ومش عايزة أتكلم تاني تعبت. قال لي: نشوف لو مش عايزة. قرب أوي أوي من السرير ولزق جسمه فيه، وفضل يقرصني جامد في ضلوعي، قومت قعدت وصرخت فيه: بتعمل إيه؟.  قال لي: هاعلمك تقولي طيب وحاضر أما أأمرك بحاجة.
ليه ما ينفعش يا نيلي أموت وأروح لبابا؟!"
في اليوم الي مشيت فيه من المستشفى رجعتلها الحمي تاني، وغالبا أمنيتها في ملاقاه أبوها إتحققت.
في كمان سيدة فرنسية معانا في قاعة 6، ودي كنت متأكدة إنها عاقلة تماما. كنت بتكلم معاها كل يوم وإسمها كان جوزيفين ديسبرو، أتمى أكون كاتبة إسمها صح. جوزها وصحابها كلهم في فرنسا. أما كنت بسألها إزاي جت هنا كانت بتنفجر في العياط وتقول لي:
" كنت شغالة عند ناس، وكنت عيانة بشكل مستمر. في يوم كنت بحضر لهم الفطار وتعبت جدا وجالي زي نوبة تشنجات. ماكونتش بتكلم إنجليزي أوي ساعتها يادوب على قد الشغل. لقيت ست البيت إتصلت بالبوليس وجم خدوني وودوني القسم. ماكونتش عارفة أرد على أسئلتهم ولا فاهمة هم عايزين إيه. وقبل ما افهم في إيه لقيتهم شحنوني على مستشفى المجانين. أول أيام ليا هنا كنت بفضل أصرخ علشان يفهموني أوي طلعوني، وكانت الآنسة جرادي ومساعدتها بيخنقوني علشان أسكت ويرموني في الدولاب. من كتر الخنق صوتي زي ما إنت سامعة إتغير كده..بقالي سنين على الوضع ده بدون أمل في الخروج."
 بنت تانية عبرية بتتكلم إنجليزي بسيط، عرفت قصتها من كلام الممرضات. إسمها سارة فيشباوم، جوزها حطها في المصحة علشان كان شاكك في سلوكها وكان بيقول إنها مهووسة بالرجالة التانيين.  تفتكروا كانوا يعالجوها إزاي هنا في المصحة؟ كانت الممرضات يقولوا لها:
" سارة، إيه رايك نجيبلك شاب وسيم حلو؟"
طبعا هي مكانتش فاهمة كل الكلام ولا فاهمة قصدهم، فكانت ترد عليهم:
" آه..شاب وسيم كويس."
" طيب ياسارة تحبي نقول كلام كويس عنك عند الدكاترة؟  تحبي نجيبلك واحد من الدكاترة؟"
ويسألوها بقا أنهي دكتور عاجبها ويطلبوا منها تتقرب منه زيادة وهو بيمر على القاعة وهو هايفهم. مش عايزة أقول إيه الي كان بيحصل بعد كده.

طبعا عارفين الست الي إتجننت بسبب فقدها لكل ممتلكاتها، أما سألتها هي جت هنا إزاي قالت لي:
" كنت عيانة."
" عيانة أزاي؟ مريضة عقليا يعني؟"
" أوه، لا..إيه الي خلاكي تقولي كده؟ كان عندي مشاكل عائلية كتيرة وفقدت خلالها كل ممتلكاتي ومابقاش عندي حتة أروحها. قدمت ورقي علشان يحطوني في دار رعاية للفقراء لحد ما الاقي شغل."
" بس هم ما بيبعتوش الفقرا هنا إلا لو كانوا مجانين. إنت مش عارفة إن الي هنا مجانين بس؟"
" عرفت بعد ما جيت هنا إن أغلب النزيلات مجانين..وعرفت إن أي حد فقير بيملا إستمارة طلبا للمساعدة من الحكومة، بيبعتوه هنا حتى لو مش مجنون."
" بيعاملوكي هنا إزاي؟"
" يعني..هربت من الضرب كذا مرة، بس كنت بتعب من كتر ما بشوف البنات بتتضرب هنا. أما جيت هنا كان عندي التهاب رئوي من القعدة في البرد، ومكانش ينفع أستحمى بميه ساقعة، لكنهم صمموا يحموني بالعافية وفضلت أسابيع بموت بعدها."
أما البنات الي جم معايا ومنهم الست الخياطة وماري هيو ولويز تشانز كانا مستقرين عقليا تماما ومافيش أي أثر للجنون عندهم.

بنت تانية جت جديد إسمها مارجريت، كانت شغالة طباخة في  وكانت مهندمة جدا ونضيفة جدا. سبب مجيئها هنا إنها كانت بتنضف في النُزل الي كانت شغالة فيها وصابحة المكان دخلت وسخت الأارضيات متعمدة، فمارجريت إتخانقت معاها، فصاحبة المكان طلبت البوليس وودوها مستشفة ألامراض العقلية!
قال لي:
" ليه يحكموا عليا إني مجنونة؟ عشلشان زعقت أو إتخانقت؟! أمال الناس الي بتتخانق في كل مكان دولمحدش ليه بيقول عليهم مجانين؟ عموما أنا مش هاعمل أي مشاكل هنا هامسع كلامهم علشان يصدقوا إني مش مجنونة ويطلعوني."
ربنا يوفقك! مارضيتش أكسر خاطرها أو آخد منها الأمل الي عندها. خليها تحاول..

طول ما كنت في قاعة 6 عمري ما سمعت الممرضات بتنادي على حد إلا علشان تشتمه أو تضربه، او تغيظه وتضحك عليه. 
كل كلام الممرضات كان فاضح وخادش، بيتكلموا عن الدكاترة والمريضات ويغتابوا بعض. الآنسة المحترمة جرادي بقا مكانتش بتبدأ كلامها إلا بذكر الله، بعدها كانت بتستخدم الفاظ ما أقدرش ارددها في عقلي حتى. شتايم غريبة وصفات مخجلة بتلصقها بأي حد إلا صديقاتها طبعا. إتخانقت مرة مع ممرضة على الأكل، وبعد ما الممرضة مشيت فضلت تقول عنها كلام مخجل جدا وإتهمتها بالزنا.
كل ليلة، رئيسة الطباخين كانت بتيجي ومعاها أطباقي فيها زبيب وعنب وتفاح وبسكوت وتقدمها للممرضات. تخيلوا إحساس الجوعى قدام كل الأكل ده وهم بيتفرجوا وممحرومين يقربوا منه للأبد.
الي كانت بتتجرأ وترد الضرب بضرب، زي ما حصل من كم يوم مع السيدة تروني الي رمت كوباية الشاي في وش ممرضة ضربتها، بيكون مصيرها الإنضمام لجماعة الجرارين، المريضات الي الي بيجروا العربات الحديد بالحبال.
من ساعة ما جيت المستشفى وأنا بحاول ما أنامش علشان مايفوتنيش حاجة. الوضع ده مكانش عاجب الممرضات. في ليلة جم ومعاهم كوباية في مشروب كده كانوا عايزيني أشربه بالعافية علشان أنام. أنا رفضت رفضا قاطعا. إزاي اغيب عن الوعي وسط الناس دي؟ غابوا شوية ورجعوا ومعاهم دكتور وهددني لو ما شربتش هايحقنني بدوا منوم. طبعا لو شربته هايكون سهل أتخلص منه، إنما لو حقنوني هنام. فشربت وأول ما مشيوا رجّعته كله. وفضلت صاحية. اما جم تاني عملت نفسي دايخة كده وفشلوا يتكلموا عني وعن جسمي ويسألوني لو عايزة يكون عندي حبيب أو علاقة مع أي حد يعجبني من الدكاترة! أما مالاقونيش متعاونة معاهم سابوني.

مرة في الإسبوع كانوا بيحمُّونا، ودي المرة الوحيدة الي بنشوف فيها الصابون. كان البانيو بيتملي ميه وبنستحمى كلنا فيه واحدة ورا التانية من غير ما يغيروا الميه. بعد ما بنخلص بتكون الميه سودا وسميكة. كنا بتنشف بنفس الفوط، السليم زي العيان عادي. طبعا كنا بنترجاهم يغيروا المية بين كل مريض والتاني بس الممرضات كانوا بيكسلوا. 
الفستاين كانت بتتغسل مرة في الشهر، ولو المريضة جتلها زيارة او حد هايشوفها من بره بيجروا يجيبولها فستان نضيف وياخدوه منها تاني بعد ما ترجع من الزيارة.

لخمس أيا متتالية كان مطلوب منا مانخرجش ولا نعمل حاجة بعد شغل التنضيف. بنقعد طول النهار في القاعة لحد ما كانت أجسامنا بتوجعنا وبنزهق. ساعات من الزهق كنا بنتقعد نتكلم عن أما نخرج من هنا هناكل إيه! كانت محادثات مؤلمة فعلا أما تعرف إنهم مش هايخرجوا ولا هياكلوا الي نفسهم فيه تاني.
مع مرور الايام، حالة تيلي مايارد (الي خنقوها أما كانت بتترعش من البرد) بقت أسوأ. كانت مزرقة وبردانة على طول ومش قادر تاكل الأكل الي بيقدموه. كانت بتغني كل يوم علشان تحتفظ بذاكرتها لكن الممرضات بقوا يمنعوها. كنت بقعد أتلكم معاها كل يوم وكنت حزينة جدا جدا لتدهور حالتها. ومؤخرا بقت بتشوف ضلالات، وكانت بتفترض إني بمثل دورها وإن كل الناس الي بتيجي تشوف نيلي راون جايالها هي وأنا الي بعمل نفسي هي. حاولت اكلمها بالعقل بس طبعا ما أقتنعتشفبعدت عنها علشان ما أضايقهاش وأزود بوجودي الضلالات دي.

في مرة كنا بنتمشى ومريضة إسمها السيدة كوتر شافت جوزها ناحية البوابة بعيد. سابت الصف وطلعت تجري عليه، فالممرضات مسكوها وودوها الحجز الإنفرادي. أما طبعت منه حكت لي وقالت:
" مجرد ما أفتكر الي حصل لي في الحجز الإنفرادي أتجنن. كانوا بيضربوني بعصاية مكنسة وأنا بصرخ وبعيط. كانوا بيرموني على الأرض وينطوا عليا ويعوروني. ربطوا إيديا ورجليا وغطوني بملاية على راسي وكانو بيلفوها حوالين رقبتي. و يحطوني في بانيو مليان مية ويغطسوني فيه لحد ما أقرب أتخنق. كنت بصرخ وأستنجد فيمسكوني من وداني ويضربوني في الحيطة. كل ده علشان جوزي عرف مكاني وهم مش عايزينني أطلع من هنا وأحكي الي بيحصل. محدش هايطلع من هنا أبدا."
السيدة كوتر وريتني أدلة على صدق إدعائها. شعرها كان متشال بجلده من دماغها، ودانها مزرقة وجسمها كله كدمات.
مريضة تانية حكت ليه عن نفس الي حصل ده، ,انه حصل معاها أما إتحجزت إنفرادي، وأضافت:" مش كل الدكاترة عارفين أو موافقين على الي بيحصل، فأثناء تعذيبنا كان بيبقا في ممرضة واقفة عند الشباك تشوف لو دكتور مش تبعهم قرب تنبههم. الممرضات كانوا بيفهمونا ان الدكاترة مش هايساعدونا لو اشتكينا وبيهددونا ل حكينالهم أي حاجة هانتعذب."
حكاية تانية عن مريضة قضت وقت في عنبر الحالات الخطرة، قال لي:
" كسرت شباك هنا فنقلوني لعنبر الحالات الخطرة. المكان هناك قذر لأبعد حد. الدبان متكوم على الأرض في كل حتة وفي ديدان في الأركان الرطبة. الأكل كان فاسد تماما وبيتقدلا في أطباق معدن قديمة. القضبان محاوطة كل اوضة مش بس على الأبواب الرئيسية. في مرضى هناك من سنين وبيخلوهم ينضفوا ويطبخوا وكل حاجة رغم حالتهم الصحية المتدهورة. طبعا غير ان المريضات دول بيجروا العربات زي الحيوانات وبيتضربوا لحد ما ضلوعهم تتكسر. مرة بنت جديدة جت وحموها بمية متلجة ورموها على سريرها من غير هدوم، الصبح كانت ماتت. "
كل المرضى بتتحقن بالمورفين والكلورال أيا كان مرضهم وده بيخليهم مع الوقت حالتهم تسوء. تقريبا الأادوية دي بتعطش والمريضات كانوا بيموتوا من العطش والممرضات مابيرضوش يدوهم ميه زيادة.

اليوم الي جت فيه بولين موزر المصحة سمعنا صوت صراخ جامد جدا وشوفنا بنت آيرلندية يادوب لابسه نص لِبس جاية تجري علينا هي بتصرخ:
" باركولي قتلت الشيطان! إبليس، إبليس..إبليس!"
فضلت بقا تكرر العبارة دي وفجأة شدت خصل من شعرها طلعتهم في إيديها وقالت:
" إزاي خدعت الشيطان؟ بيقولا إن ربنا خلق النار ب لا..ربنا ما خلقهاش."
بولين موزر أما سمعت البنت الآيرلندية بتهلوس، قعدت تغني بصوت مريع. شوية وجه دكتور دينت، الممرضة الآنسة جروب قالت للآيرلندية:
" آدي الشيطان جالك، روحيله."
غريبة إنها تقول لست مجنونة كلام زي ده، وما إتفاجئتش أما لقيتها بتجري على الدكتور. علشان الممرضات توقفها وقعوها على الأرض وقعدوا عليها. واضح إن الممرضات بيلاقوا تسلية معينة في إستفزاز المريضات وبعدين معاقبتهم.
______
كنت دايما بقول للدكاترة إني عاقلة وإني عايزة أمشي، وكل ما كنت بكرر طلبي ده كل ما كانوا بيشكوا في عقلي أكتر.
سألت دكتور منهم مش فاكرة إسمه:
" إنتوا كداكترة إيه وظيفتكم هنا؟!"
" بناخد بالنا من صحة المرضى ونكشف على قواهم العقلية."
" جميل جدا..في 16 دكتور هنا، ماشوفتش حد فيهم بياخد باله من مريضة ولا بيسمع شكواها. إزاي دكتور يقدر يحكم على عقل مريضة وكل الي بيعمله يبص في وشها كل يوم الصبح ومايسمعش اي حاجة تقولها؟ حتى المريضات عارفين ان الكلام معاكم مالوش فايدة وأي حاجة هايقولها هاتقولوهم بتخخيلوا وبيتهيألكم. إختبروا قواي العقلية وإحكموا لو مجنونة ولا عاقلة!"
ماردش عليا الدكتور وتجاهلني.
كلمت دكتور تاني في يوم تاني وقلت له:
" ماعندكوش حق تحبوسا ناس عاقلة هنا. أنا عاقلة ومصرة على إجراء إختبار ليا وإطلاق سراحي. في هنا كذا نزيلة عاقلة، ماتطلعوهم من هنا!"
"إنت مجنونة وبتعاني من ضلالات."

بعد ما قدرت أقابل دكتور إنجرام وقدرت أتكلم معاه فترة معقولة قال لي:
" هانقلك عنبر أهدا."
بعد ساعة نادت عليا الآنسة جرادي وشتمتني بأفظع الشتايم الي ممكن أي حد يسمعها في حياته. وقال لي إن من حظي إني انتقلت وإلا كانت هاتندمني على كل حاجة حكيتها للدكتور إنجرام. خدتني أنا والآنسة نيفيل زميلتي الي جت معايا في نفس اليوم لعنبر 7.
الحقيقة اا ما شوفتش أبشع من ممرضات عنبر 6، بس هنا الحال مكانش مقبول أبدا. المريضات بيتضربوا بالأقلام ويتشدوا من شعورهم. 
أول دكتور قابلني هناك كان دكتور كالدويل، وكنت بكلمه بالأاسباني طول الوقت.
عنبر 7 من ناحية تانية كان احسن، كان فيه بيانو برضو وبتعزف عليه مريضة كانت شغالة في محل ادوات موسيقية. وكان مسموح لنا نروح الكنيسة أيام الأحد، وهي كنيسة صغيرة مرفقة بالمستشفى.

بإختصار مستشفى بلاكويل مصيدة فيران، سهل تدخلها بس مستحيل تخرج منها. كان في مخططي أزود جنوني واخليهم يحجزوني في عنبر الحالات الخطرة علشان أقدر أسجل الي فيه، بس بصراحة صحتي مابقتش مستحملة وضعفت جدا وأشك إني هاستحمل بهدلة أكتر.
منعوا عني اي وزار، بما فيهم الناس الي جاية تدور على بناتهم المفقودين.
الإنقاذ جالي أما الجريدة بعتت محامي على طول، ومعاه كل شيء يثبت شخصيتي وكان معاه عدد من المراسلين الصحفيين وكاميرات وأدوات تسجيل مخفية علشان محدش يقدر يأذيهم أو يماطل في خروجي من المكان معاهم.
مكانش في قدام إدارة المستشفى إلا إنهم يسلموني لهم.
سلمت على زميلاتي ورفيقاتي لمدة عشر أيام، هم أسوأ عشر أيام شوفتهم في حياتي. وركبت القارب مع المحامي والحفيين. وأخيرا رجعت بنت حرة تاني.
____________________
الفصل الأخير

أول ما خرجت من المستشفى كان لازم أعرض القضية قدام المحاكم وأقف قدام هيئة المحلفين الكبرى واشهد بالتفصيل بكل شيء شوفته. كنت مستعجلة جدا أنقذ مخلوقات الله التعيسة الي محبوسة في الجزيرة. لو ما قدرتش أحررهم، فلازم أحسن معيشتهم.
هيئة المحلفين كانت رفيقة ومتفهمة جدا. حلفت وحكيت كل الحكية زي ما حكيتهالكم كده. ورئيس هيئة المحلفين طلب مني آجي معاهم في جولة في الجزيرة وطبعا وافقت ورحبت.
أما وصلنا هناك كانوا متوقعين اننا جايين، وده شيء غريب لأن زيارتنا كانت مفاجأة. وعرفنا إن الخبر وصل للجزيرة قبل وصولنا بساعة، وإحنا في جولتنا في مستشفى الحج الي بتحول لهم المرضى من نيويورك.
رحلتنا للجزيرة كانت على متن قارب نضيف جديد! غيروا القارب طبعا لأنهم كانوا عارفين إننا جايين. اما  سألتهم عن القارب القديم قالوا إنه في الصيانة!
تم استجواب الممرضات الي نفوا كل التهم، أما دكتور دنت فتظاهر إن ماعندوش أي فكرة عن موضوع الحمام البارد وقلة الهدوم وقال إن الأكل مش فاخر بس على قد الإمكانات المادية للمستشفى.
تم استجواب المريضات كل واحدة لوحدها، وتم الكشف عليهم، بس المريضات الي كانوا معايا إختفوا تماما.
اما زرنا المطبخ لقيناه نضيف جدا وحاطين علب الملح في مكا نبارز علشان محدش يقول الأكل من غير ملح. وعلى الترابيزة كان في عيش سخن وابيض وجميل!
العناابر والسراير كانوا نضاف جدا، حتى الجرادل القذرة الي كنا بننضف بيها غيروها خالص. الحمامات نضيفة وفيها فوط وغلاية مية كمان وصابون.
فين زميلاتي؟ فين الستات الي بيعانوا كل يوم وبيتربطوا ويجروا عربيات حديد؟؟ مكانش في حدي يصدق على شهادتي إلا الآنسة نيفيل الي خرجتها معايا كشاهدة بس.
كل ما كنت أسأل عن حد إما يقولولي مشيت أو أهلها خدوها أو إن الإسم ده مش موجود عندهم أو إنتقلت لمستشفى تانية. 
إحباط..حزن...
مكنتش متوقعة إن هيئة المحلفين تساندني تاني، وهم شافوا بعيونهم إن كل حاجة مطابقة للمواصفات في المستشفى.
عزائي الوحيد، إن بقا في هيئة لإدارة الأموال الي بتدفعها الحكومة والمتبرعين ومراقبة توزيعها العادل، والقيام بزيارات مفاجأة دورية. ده خلى الأمور تهدا أكتر في المستشفى وهم مش حاسين بالأمان إن حد في مراقبة ممكن تزورهم فجأة.
نشرت تجربتي، وأتمنى يكون في دعم من أي جهة للمصحات العقلية، ويكون في إشراف أكبر عليها من الحكومات. 
ومش هابطل أبدا أدور عن الحقيقة وأكشفها حتى لو ما قدرتش أثبتها، بس في كتير بعدي ممكن يقدروا.

النهاية 
نيلي بلاي أحررهم، لازم أحسن معيشتهم. 

تعليق من المترجمة:
مساء الفل..
مستشفى جزيرة بلاكويل كانت أول مستشفى في نيوريورك والمقاطعة كلها للأمراض العقلية. المستشفى دي كانت بتوفر خدمة مجانية ورعاية للمهاجرين (علشان كده نيلي إدعت إنها من كوبا ) وكان في عدد قليل من الأمريكيين فيها. والمستشفى كانت مبنى من ضمن مباني عديدة في الجزيرة تابعة للحكومة منا سجن ودار ايتام ومستشفى عام وكنيسة.
سنة 1840 زار المستشفى دي –بغرض الإلهام الروائي- تشارلز ديكينز الي إتأثر جدا بالمستوى المتدني للمعاملة هناك. وكتب إن كل حاجة هنام مؤرقة والهواء نفسه مؤلم..
سنة 1866 المستشفى كبرت وبقت تلات مباني، المبى الأصلي ومبنى الحالات الخطرة ومبنى لعزل المرضى المعاقبين.
زارت نيلي بلاي المكان سنة 1887. بعد سنوات من نشر الكتاب، تم تحري القضية تاني من منطلق ان ازاي كل الدكاترة الي كشفوا على نيلي ما عرفوش انها عاقلة، وكسبت نيلي القضية وفازت بتبرعات قدرها مليون دولار من المتبرعين والحكومة لدعم المستشفى وإعادة تنظيمها. واشرفت نيلي براون بنفسها على بنناء مستشفى جديد من الفلوس دي لحد ما إدارة المهاجرين اشرفت على نقل المرضى وغلق المستشفى نهائيا، المبنى نفسه إتحول لمستشفى تاني عادية تبع الحكومة سنة 1955.

مرفق صور للمكان الحقيقي.



Comments

Popular posts from this blog

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي

الحلقة ‏العاشرة- ‏في ‏مكان ‏مظلم

المنزل ‏في ‏شارع ‏ميبل- ‏ستيفن ‏كينج