الحلقة السادسة- سيرسي
سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة السادسة
الخريف بييجي ببطء في المستنقعات. الحرارة بتشع من الأرض الرطبة وبتخلي الجو حر حتى في أكتوبر.
كملت في شغلي، وكملت كاسي في بُعدها.. في المرات القليلة الي كنت بشوفها فيها كنت بشوفها في المكتب، ونادرا ما كونت بشوفها في اي مكان تاني.
اليوم ده كان الجو ممطر، وشفتها واقفة مع الشرطة. وقفت وسط مشيي وتراجعت للظل تاني. فضولي كان دافعني أسمع وأعرف في إيه زي طفل بيستخبى في ركن علشان يتصنت على أبوه وأمه.
الشرطي سأل:
- هو بقاله على الحالة دي قد إيه؟
جاوبت كاسي في برود:
- من ساعة ما جه هنا..للأسف المرضى بقا لهم حقوق دلوقتي ومانقدرش نربطهم في السراير زي زمان.
- واضح إن الي حصل له مش مسببلك أي إنزعاج.
- كان بيعاني من كتاتونيا، حياته مكانتش أحسن حاجة..السيد هارت مكانش واعي هو بيعمل إيه والي حصل حادثة مابين إتنين مرضى محدش كان مراقبهم..ايا كان جون بيلفينز فين دلوقتي فهو في مكان أفضل كتير من حياته هنا.
- السيد هارت عض لسان السيد بيلفنز وسابه ينزف لحد ما مات، ده شيء عادي ما يزعجكيش؟
- لا.
- القسم ده كان فيه حالات وفاة غير مفسرة كتير مؤخرا أو حالات قتل أو إنتحار؟
- القسم ده فيه عدد من المصابين بأعنف الأمراض العقلية في الولاية..الحوادث بتحصل أكيد.
مال الشرطي عليها وهمساته لها بقت مش مسموعة بالنسبة لي. إترددت قبل ما اقرب خطوة أو إتنين في النور علشان أسمع. كاسي شافتني فرجعت للمكتب في الظل تاني. رغم إن الشرطي كان بيبصلها بنظرات كارهه، إلا إن نظرها فضل عليا، مابقتش حاسة بوجود الشرطي ولا أخدت بالها إنه مشي.
قعدت على مكتبي وفردت ورق الشغل قدامي، سمعت صوت خطوات كاسي بتقرب، حاولت أتجاهلها لكن صوتها فوقني من تركيزي. سألتني في عدم إهتمام:
- إنت بتتصنت بقا.
- صعب أتجاهل مناقشة دايرة قدام باب المكتب.
- دكتور بلاك، مش عايزة أشوفك تاني بتستخبى في الأركان، واضح كلامي؟
________________________
والده مراتي، السيدة صدف، كانت من الثوريين في الستينات، قبل سيادة الثقافة الغربية وتعلم الهنود إن في حرية للنساء المقيدات بتقاليد الإسلام الي توقفت عن التطور من مئات السنين.
صدف هربت من أهلها علشان تتجوز أبو بريا، فرانك. أهلها إتبروا منها سنين وعاشت في منفى بسبب الحب.
ده الي حكيتهولي بريا عن أمها، وشايف إن الي حصل مايتصدقش. صدف الي اعرفها عبارة عن كتلة قلق وعصاب. كانت بتلبس الساري وتمارس تقاليد الهنود بشكل متطرف علشان تفضل وفيه لتراثها. صدف كانت قريبة جدا من عيلتها في أمريكا وكانت بتشافر من وقت للتاني الهند علشان تشوف أهلها اللي هناك.
كانت بتجبر جوزها يضحي بكتير من ثقافته وتقاليده علشان يواكب تقاليدها هي، وكانت مقيداه بالشعور بالذنب تجاهها كونها ضحت بكل حاجة علشانه.
علشان كل ده، إتجوزتني بريا في مراسم هندية مسلمة بكل تقاليدها. لبست سبع فساتين فرح على مدار الإسبوع الي سبق زفافنا، فساتين مشغولة بخيوط الدهب، ماكونتش بقدر أبصلها وهي لابساهم من كتر الإزعاج الي بيسببهولي شكلها. عملوا ليلة حنة للستات بس، ومكانش المفروض أحضرها معهم. حسيت إن ماليش مكان في الإحتفالات دي وأنا بتلصص عليهم وأشوف الستات قاعدين حوالين بريا الي كانت قاعدة على سرير متغطي بالحرير الهندي، وشعرها متغطي بطرحة وضامة ركبها لصدرها وهم بيحطولها الحنة على رجليها. كان بيغنوا أغاني غريبة وغمروا بريا بمشغولات ذهبية قبيحة.
طول ليلة الحنة كان في هعنكبون واقف على الحيطة وراها. راقبت العنكبوت وهو بيغزل بيت وسط الدوشة والأألوان دي كلها،كان بيلف خيوطه زي ما الستات الهنديات كانوا بيلفوا نفسهم بالقماش الملون المبهر.
العنكبوت بيغزل رسوم الحنة المعقدة على جسمها.
كنت عايزها زي ما العنكبوت كان عايز حشرة ياكلها.. كنت عايز ألفها في خيوط شبكتي..كنت عايز أمتلك كل الدهب والألوان والبشرة الخمرية المذهلة وكل ما هو بريا.
إستحضرت إحساسي وشبقي يوم الحنة علشان أصرف غضبي تجاه أم بريا الي كانت قاعدة قدامي على العشا النهاردة وبتوعظني عن إزاي أخلي بالي من مراتي وإزاي إني لازم أقضي وقت أطول معاها.
خلصت عشايا ودخلت مكتبي وتظاهرت إني بقرأ لأني ماكونتش قادر أركز في قراءة حقيقية طول ما شريط صدف عمال يتعاد في دماغي.
في الشهر ونص الي عشناهم في موبيل، ألاباما، صدف قعدت مكعانا خمس أيام كاملين، وباتت عندنا 14 يوم منهم.
سألت بريا:
- إنت ليه سايباها تكلمك بالطريقة دي؟
- على عكسك، أنا بحترم عيلتي..مش هاينفع أبدا أطرد أمي لمجرد إن كلامها مش مقنع بالنسبة لي.
- هي مش بس بتقول أي كلام، دي بمسح ثقتك بنفسك.
- أنا أعرف إزاي أخلي كلامها ما يأثرش فيا.
- لا كلامها بيأثر فيكي!بتفضل تقطمك وتحسسك بالذنب علشان من وجهة نظرها مابتقدميش إهتمام كافي لعيلتك..عيلتها..أو بتنسي شوية تقاليد هندية عفا عليها الزمن ومابقاش حد بيعملها أصلا.
- إيه مشكلتك؟ حد طلب منك حاجة؟ أنا بهتم بتقاليدي وميراثي.
- إنت مسلمة ومسيحية في نفس الوقت ومع ذلك مش مؤمنة بالدينين!
- ماعنديش مشكلة في كده..إيماني بيحدده إحساسي وتقاليد ومحافظتي على جذوري من ناحية أمي وأبويا. عموما أنا آسفة لو وجود أمي ضايقك. لو كده أنا هابقا أروحلها وأقضي معاها أجازات نهاية الأسبوع. أمي مريضة وكبيرة في السن وعملت حاجات حلوة كتير أوي في حياتها وتستاهل الإحترام.
- أمك بتعاني من إضطراب الشخصية الحدية والهستريا، والسب ب الوحيد الي بتفضل تولول على مرضها قدامك إنها عايزة تلفت نظرك لها هي وبس.
- إنت إتجوزتني ليه؟
- نعم؟
- إتجوزتني ليه؟
- علشان بحبك.
- لو بتحبني هاتقدر كل حاجة حواليا بما فيها أمي.
قالتها بريا وهي بتبص ناحية صورة أمها. الصورة كانت مقرفة وصدف فيها مترهلة وعجوزة وقبيحة.
- انا ماعنديش عداء شخصي مع أمك. كل الي بقوله إنها مش عامل إيجابي في حياتك..بتخليكي تحسي بالذنب وإنك وحشة ومقصرة.
- ما أظنش يهمك أحس بإيه. ما أظنش إنك بتفكر في أي حد إلا نفسك. لو كنت بتفكر فيا كنت فكرت في إحساسي أما بتسيبني كل يوم لوحد لحد الساعة 8 بليل من الساعة 7 الصبح. أما بترجع البيت بتفضل تتكلم عن الشغل. عارفة إن شغلك وتدريبك مهمين، بس أنا عندي إختيار دلوقتي ومش مضطرة أعيش لوحدي على طول كده..لو أمي جت قعدت معايا تقول إنها وحشة ومعرفش مالها، لو خرجت مع صحابي تقول إنهم بيودوني اماكن خطرة وبيعرضوني لعوامل سلبية في المجتمع! كل الي إنت عايزة إني أفضل مستنياك وبس!
- أنا مش مصدقك..أنا ضحيت علشانك كتير أوي..سيبت تدريبي في مكان محترم، ضحيت بوقت كتير كان المفروض أذاكر فيه وأحسن قدراتي علشان أقعد مع أمك وقرايبك..ضحيت بحريتي وحياتي..كان ممكن أخترا أي ست تعجبني..اي ست..بس إخترتك إنت.
- إنت مغرور!
بريا كانت غاضبة ومتقززة من كلي الي سمعته. كانت بتبص لي كأنها أسد بيستعد للهجوم.
- وإنت لعبة في إيدين أمك.
- يا سلام على رأي واحد قضى عمره كله بيحاول يبقا نسخة من ابوه! ساعات بسأل نفسي وصلت لحد فين في تاريخه المشرف؟ بتقلد شغله أهو، ياترى وصلت لفقرة الشرب والخيانة ولا لسه؟ مستني مني أبقا زي أمك؟ تمثال جميل على الرف!
معرفتش أرد عليها بإيه، عمرها ما كانت كده ونادرا ما كانت بتعلق على عليتي أو تصرفاهم. ماكونتش واعي إنها عارفة كل ده عنهم، معرفتها قلقتني.
- تعرفي إيه عن حياة أبويا؟
- والدتك ست وحيدة والكل عارف إنك الوحيد الي بيسري عنها.
بريا لأول مرة تكون باردة وقاسية كده، فكرتني بكاسي وعينها الباردة ..مراتي بقا "أمنا الغولة".
- لو كنت إتكلمتي مع والتدي فالصورة الكاملة ماوصلتلكيش. مستقبلي وشخصيتي مالهاش علاقة بالماضي..بالإضافة إلى إننا كنا بنتكلم عن أمك إنت.
- أيوه صح..أمي..أمي محتاجاني..فإما تقبل تيجي تقعد معايا كل كم يوم وإما توافق إني أروح أقعد معاها.
- ماكونتش عارف إن الموضوع مهم بالنسبة لك.
- أنا مش عايزة أبقا وحيدة أما أوصل سنها. عايزة أولادي يكونوا حواليا. اعتقد إنك بقيت زي ما كان نفسك تبقى، وانا عايزة احقق حلمي مع أولادي.
إبتسمت لها وبوست جبينها، وخرجت من النقاش حاسس بتنميل روحي. عدى علي كل الأماكن الي كان ممكن اروحها لولا وجودها، كل الحاجات الي كان ممكن اعملها..
قلت لنفسي إني بحبها، وإني عاهدت نفسي أكون مخلص..
لكن الأمر بقا مرير..
_____________________
كاسي كانت مشرف ممتاز من عدة جوانب، كان بتقرا كل تقاريري قبل ما اعرضهم في إجتماعات تخطيط العلاج. كنت بتعلم منها أشخص واساعد وأكتب تقرير يرقى للوحات الفنية. كانت بتسيب لي ملاحظات مكتوبة تساعدني أختار الأسئلة الي هاسألها للحالات..كانت طبيبة نفسية شاطرة.
مع مرور الشهور، إتعودت على الروتين في سيرسي وأي تغيير فيه بيقل راحتي، بس من قال إن الطرق الصخيرة سهلة؟ هي ضرورية لصقل المواهب وتجديد العزيمة، وكاسي كانت زي الطرق الصخرية.
كاسي إتغيرت وبقت بتيجي المكتب كل يوم الساعة أربعة وربع، وتلقي عليا أوامر جافة وقحة وتمشي، والخميس ده مكانش مختلف عن باقي الايام الغريبة الي فاتت. قالت لي ببرودها المعتاد:
- سمعت إنك قولت لكاتي إنها بتتصرف بطريقة غير لائقة أثناء جلسات العلاج النهاردة.
- كانت بتحكي للحالات قصص من حياتها الشخصية، وده مش مهني وغلط.
- إنت صح.
- عارف.
إبتسمت ابتسامة غريضة وخلعت النظارة لأول مرة، وبان جمال ملامحها.
قالت:
- إنت عيل مغرور..
ملت ناحيتها وإبتسمت وقلت:
- عارفة، لو بلغت دكتور بابكوك عن الطريقة الي بتعامليني بيها أعتقد إنك هاتلاقي نفسك في مشكلة كبيرة. إحنأ في تدريب رسمي معتمد وله حدوده وقوانينه. من القوانين دي: الإشراف المستمر..وإنت ما بتشرفيش عليا بشهادة الكل ومحدش شافك بتشرفي عليا وأنا بعالج أو بشخص، لذلك ما أعتقد إنه من اللائق كمان توقلي على طبيب متدرب (عيل).
-هاتعمل إيه يعني؟ هاتروح تعيط لطنط بابسي وتقولها إني بعاملك وحش؟ إنت فاكر إنك أول متدرب يشتكي مني؟ محدش يقدر ياخد حق ولا باطل معايا، ورقي سليم يا حبيبي وعارفة القوانين كويس. بس عموما هأسحب كلمة إنك عيل، لأنك أول متدرب إسترجل ووقف قدامي وهددني قبل ما يروح يعيط
لطنط..أغلب الرجالة بيخصوهم أول ما يتولدوا باين اليومين دول.
تراجعت وراح الكلام مني..مش فاكر أي موقف قريب كان فيه حد قدر يخرسني كده. قالت لي:
- تحب تتعشى معايا؟
- أكيد.
إتصدمت بس كان في إستمتاع خفي كده..أنا دخلت دايرة مافيش متدرب دخلها قبلي. حسب كلام كل الي هنا، فدكتورة آلن عمرها ما تفاعلت ولا قربت من اي متدرب من أي جنس. كانت ملكة التعامل عن بعد وتصحيح التقارير بالقلم الأحمر بدون نقاش. بشكل ما حطيت جوه متاهة عالم جديد، وكنت فيه الأأول والوحيد. سألتها:
- هانتعشى فين؟
- في مطعم أول الطريق..معاك عربية ولا بتركب مع صحابك؟
- مع صحابي للأسف.
- هاوصلك.
- أوكي.
قعدنا في مطعم صغير شبه خالي. سألتني كاسي وهي وتلعب في طبقها بالشوطة:
- إيه رأيك في ستنا سيرسي؟
- ستنا؟
- إنت مش شايف إنها ست صح؟ بس بأكدلك إنه سيرسي ست.
- عاجبني الشغل في سيرسي طبعا إتعلمت كتير، وعندنا حالات متنوعة فعلا.
بس مابشوفكيش بتشغلي يعني مع الحالات.
- مش معنى إنك مش بتشوفني بشتغل إني ما بشتغلش يا دكتور بلاك. إنت بتشتغل في اي دور؟
- الاول والتاني..إختبار ده؟
- في إيه في الدور التالت؟
- الحالات الأخطر.
- تفتكر إنهم مش محتاجين لدكاترة هناك يكونوا أكثر خبرة من مجرد متدربين لسه كوافيلهم ما نشفتش؟
- تصدقي ما جاش على بالي ده.
- طبعا ما يجيش على بالك. الفكرة كلها من احتياجي لمتدرب هي اني عايزة يمسك الحالات المستقرة والشغل الورقي علشان اركز في الأهم.
- دكتور يوشي معاكي في التالت؟
- لا..التالت له فريق لوحده.علشان المحامين ما بيحبوهوش!
- محامين؟
- هاحكيلك موقف..واحد من مرضى التالت جاله مزاج يدخن، واحنا مابنسمحلهومش بأي أداة ممكن تتسبب في حريق، لكن مرضانا مبدعين بقا! فتح فتحة في السقف وطلع سلك الكهربا وولع في شعر زميله في الأوضة وولع منه السيجارة! تفضل بقا تضبط في الورق والشهود علشان مايبقاش علينا قضية والمستشفى تقفل. علشان كده المحامين ما بيحبوش التالت ولا نزلاؤه.
- علشان كده البوليس كان هنا؟
- الحوادث بتحصل في التالت ومحدش يقدر يتفاداها زي ما إنت شايف.
- الناس بتقول عليكي باردة وماعندكيش إحساس..
- شكرا!
- انا بقولك كده علشان أسألك، ليه عزمتيني على العشا؟ ليه غيرتي تعاملك معايا؟
- بختبر نظرية كده.
- عن إيه؟
- طبيعة العلاقة الإشرافية.
- فعلا؟ ممكن تفاصيل أكتر؟
- في نظريتي بفترض إني ممكن أحسن أداء المتدرب عن طريق توثيق العلاقة به..إنت الي بختبر عليه نظريتي.
- مش هاتقدري تحصلي على نتيجة لو عينة الإختبار مكونة من شخص واحد بس.
- أنا من مدرسة كارل يونج، وبعتقد في قوة دراسة الحالة المنفردة.
- لا إحنا كده ممكن نتناقش طول الليل.
- متجوز؟
- ايوه.
- عندك أولاد؟
- لا
- مبسوط؟
- نعم؟
- مبسوط في جوازك؟
- ايوه.جدا.
- مش حاسس إن الجواز قفص وحبسة؟
- أبدا.
- أنا بعتبر الجواز علاقة مُطلقة..الجواز هو طريقة المجتمع لتقنين الشهوة الجنسية. الجنس تابو في ثقافات كتير وعيب. الأنا العليا تم ترويضها من خلال الدين والقيم القديمة وإقناعها إن الجنس شيء قذر.
الجواز بقا كان طريقة المجتمع لإباحة الشهوة الجنسية. دلوقتي المجتمعت الحديثة مش محتاجة تراوغ أو تشرع حاجة في الأاصل غريزية، فليه لسه متمسكين بفكرة الجواز وطقوسه والإلتزام طول العمر بممارسة الجنس مع شخص واحد بس؟ الجواز فكرة مش سليمة وفي ناس كتير بدأت تبعد عنه. المستقبل لا يدعمه سوى الأم الوحيدة الناجحة أو الأاب الوحيد الناجح، مافيش ضرورة لوجود أب وأم لتربية أولاد.
هزيت راسي ومش عارف المفروض أقول إيه. أنا مختلف معاها بس معنديش نقد معين لكلامها ده لأني عمري ما فكرت فيه. سألتني:
- تفتكر كان هايبقا في ضرورة إنك تتجوز مراتك لو كنت عشت ومارست الجنس معاها كواحدة من ضمن عدد كبير من الستات الي عملت معاهم نفس الشيء؟ هل إختيارك ده صح وإنت ما جربتش غيرها؟
- بس أنا بحب مراتي.
- دي مش إجابة.
- ما أعتقدش إن سؤال يندرج تحت بند علاقة المشرف بالمتدرب.
- إحنا بنحاول نطبق نطريتي ونعرف بعض أكتر.
- أعتقد إنك مش متجوزة.
ردت بدون تردد:
- لا.
- ولا عايزة تتجوزي.
- صح.
- ومافيش أي رغبة عندك في شخص تحبيه وتتكلمي معاه بليل.
- أقدر الاقي الشخص ده وقت ما أحتاج وأتخلص منه وقت ما يكونش له دور في حياتي.
بدأت أحس بعدم الراحة. مستوى الحميمية في الكلام بقا شبه خروجة تعارف ومصاحبة مش علاقة شغل. بعدت الكرسي شوية وحاولت أتفادى تلاقي النظرات.
- كلامي مضايقك؟
- مافيش حاجة تقدر تضاقني.
إبتسمت تاين. كانت عارفة إني بكدب، كان مش صح إن علاقتنا تبدأ بكذب، بس هي الي بدأت بالكذب. خروجتنا سوا مكانتش نابعة من إهتمامها بعلاقة المشرف والمتدرب، ولا كان قصدها أي نوع من العلاقات الإنسانية..أهدافها كانت غامضة ومزعجة.
- أعتقد إني هنا علشان بتعلم منك كمشرف وبس.
- وإنت تلميذ شاطر.
- شكرا لك.
- هاتعمل إيه أما تخلص تدريب؟ هاتشتغل في عيادة لوحدك؟ هاتعمل دكتوراه تانية؟ هاتشتغل زينا؟
- أعتقد إني هابدا في مجموعات علاج مع دكاترة تانيين لحد ما أجمع مرضى وأفتح عيادة.
- نفس الإجابة!
- نفس إجابة إيه؟
- كلكم حاطين عينيهم على عيادة. كلكم عايزين نفس المستقبل.
- كلنا مين بقا؟
- كل الي جم سيرسي، ومعرفش من فيهم وصل لهدفه ومن لا.
- وده شيء غلط إن الواحد يحب يكون عنده عيادة؟
- لا..بس حياة مملة..نفس المرضى كل يوم بنفس درجات الخطورة..مرضى أغنياء متدلعين، مرضى مش مرضى أصلا..مراهقين زنانين كل مشكلتهم إن ماعندهومش كل حاجة.
- أنا بحب الحياة العادية الروتينية..بتريحني.
- بس إنت بتحب شغل المستشفى.
- حتى شغل المستشفى ممكن يبقا عادي وروتيني زي العيادة.
- لا..مش زي ما إنت فاكر. إنت بتفكر بشكل سطحي وحاسس إن الجنون حاجة بعيدة عنا والمجنون بيتلود مجنون لحظة ما بتقع عينك عليه. عندك مثلا السيد جيليز، كان مقاول ناجح لحد ما دماغه أتخبطت جامد في الشغل، فجأة مابقاش قادر يلبس نفسه حتى. صحتنا العقلية في توازن ضعيف وحساس جدا. بنقف على حافة هاوية الجنون وبنفتكر، كدكاترة نفسيين، إننا عارفين سبب تدهور حالة واحد قبلنا في نفس الهاوية أو سبب إن واحد تاني لسه قادر يمشي على الحافة بنجاح....محدش أبدا يعرف الأسباب.. كل مريض فصام مختلف عن غيره، عصبيا ونفسيا وسلوكيا. فكرت ماذا لو إن كل ده مش مصدره المخ؟ ماذا لو إن في شيء أكبر هو الي بيحدد مصيرنا؟!
- أنا معرفش عن أي شيء ممكن يتحكم في مصير البني آدم كده..مافيش دليل واحد على إن في شيء غير التوازن الكيميائي او الشذوذ التشريحي ممكن يسبب الفصام.
- في السما والأرض أكتر من الي ممكن تفسره بعلمك أو تحلم بيه يا دكتور بلاك! إنت متصور إن أي شيء لا يمكن إحصاؤه أو دراسته بالتجارب يبقا مش موجود.
- أنا أعتقد إن كل شيء محتاجين نعرفه في علم النفس قبل للإحصاء والتجريب. اي حاجة تاني سايبها للفلاسفة، وأنا مابحبش الفلسفة عموما.
- خسارة..أنا بعشق الفلسفة رغم تفضيلي لعملم الإجتماع..ما إتأخرتش على مراتك؟
كنت فقدت الإحساس بمرو الوقت، وكان لازم اروح ولازم الحق ارتاح قبل الشغل تاني يوم. دفعت كاسي تمن العشا وساقت بيا عربيتها في الطريق المظلم لحد ما وصلتني البيت. نزلت، رغعت إيدها وودعتني، وفضلت واقف أبص عليها وعربيتها البي إم دابليو بتبعد..عاديتها بدأت تذوب في عينيها، وبدأت أشوف بشرتها المشعة تحت شعرها الذهبي..كل شيء فيها إختلف..
حلوة جداااااا
ReplyDelete