الحلقة الثالثة- سيرسي
سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة الثالثة
الفصل الثاني
كنا تلاتة يومها، متكربسين في عربية آندي البيتل. آندي ممتلئة وشعرها أحمر وكانت أكتر طبيب نفسي إجتماعي ورغاي قابلته في حياتي. برغم إني عارف إنها في التلاتينات، إلا إن سذاجتها مغطية على سنها. طيبتها أخفت الحكمة الي المفروض تكون اكتسبتها بمرور الزمن.
أما جون، كان رجل قصير أسمر وكان أقرب لنوعية الناس الي ممكن اتعامل معاها بصدر رحب. خجله كان بيحجب طبيعته الإجتماعية، كان بيضحك كتير وبيقرقض ضوافره أكتر، وكان كلامه قليل. كان بيحب يلاحظ ويسمع واما يقرر يتكلم بيكون كلامه متلعثم عصبي سريع. اللي يهمني فيه إنه ما بيتكلمش كتير ولا بيسألني أسئلة شخصية، كان سايبني في حالي.
أول تجمع لينا كان مش مريح، محدش فينا كان عارف التاني ولا قادر يتوقع منه حاجة بس كنا عارفين إن فترة التدريب صعبة وتنافسية ولازم نتعلم نتعامل مع بعض.
الطريق كان صعب، والطاووس كان مطل من على أسوار المستشفى كأنه حارسها. أول ما آندي شافت الطاووس فضلت ترغي عن رمزيته القوية وتاريخة الملكي. كلامها ضايقني وسرق مني جمال اللحظة.
سألت:
- عمرك شفت حاجة زي كده؟ طاووس في مستشفى أمراض نفسية؟ أنا حبيت المكان ده خلاص!
ماردتش أنا ولا جون، لكنها كملت:
- إيه رأيكم؟ مش بذمتكم مكان تحفة؟ كنت متخيلة سيرسي عبارة عن مباني كئيبة وسط ساحة مسودة وفاضية. المبنى جميل..تفتكروا عمره قد إيه؟ شكلع أثري..معدي 100 سنة ولا حاجة..هه؟ إيه رأيكم؟
فضلنا ساكتين، فقالت:
- ما أقصدش أشتم يعني، بس إنتم الإثنين أكتر ناس مملة قابلتها في حياتي! يا جماعة خدوا وإدوا معايا في الكلام! مافيش أي آراء خالص عن المكان؟
رديت عليها في برود:
- أنا مش شخص نهاري.
- ولا أنا، بس قدامنا أيام طويلة صعبة فياريت نتعرف على بعض أكتر.
- أنا مابحبش برضو أتكلم..ولا بحب الأسئلة الشخصية.
- أسئلة إيه الشخصية؟ أنا بسألكم عن رأيكم في المكان، فين السؤال الشخصي في كده؟
- السؤال ده بالذات لا، بس في الطريق سألتيني عن أهلي..ده سؤال شخصي.
- شايف كده؟ أوكي، خلينا نفضل ساكتين رايح جاي في الطريف طول السنة.
إتكلم جون أخيرا لأول مرة من تلت ساعة وقال:
- مافيش مشكلة، ممكن تسأليني أنا أسئلة شخصية عادي.
آندي إبتسمت له، رده ريحها إلى حد كبير، اضاف جون إنه مقدر كرهي للنهار فهايحاولوا يتجنبوا إزعاجي قدر الإمكان.
دخلنا علشان نقابل مديرة القسم النفسي، كان إسمها دكتورة ليديا بابكوك. سلمت علينا وقالتلنا:
- أهلا بكم في جناح الحالات الخطرة في سيرسي. المكان بيتشرف بإنضمامكم لفريقنا.
كانت بتتحرك بسهولة في متهات الممرات في الدور الأاول، كل باب بتفتحته كان عليه قفل لازم يتقفل تاني بعد خروجها. صوت سلسلة المفاتيح في غيديها وهي بتفتح وتقفب الأبواب كان له وقع سحري طقسي.
قادتنا خلل قسم الرجال سريعا، وكان شبه مستحيل ما نبصش على الحالات. كان عدد قليل منهم قاعدين على كراسي برتقالي متناثرة وبيبحلقوا في الأرضية الخضراء. وعدد أقل كانوا ساندين على مكتب التمريض بيسألوا الممرضة على حاجة. التليفزيون كان شغال بس محدش كان بيتفرج عليه. كان في كمان عدد من الألعاب للتسلية بس محدش كان بيلعب.
سألتها آندي هي بتبص على الحجرة المخصصة للإستجمام والترفية:
- هي دي كل الحالات؟
- لا طبعا، ده القت الترفيهي لمجموعة معينة من الحالات، في مجموعات تانية في جلسات علاج، ومجموعات نايمة وفي مجموعات مسموحلها تنزل الحديقة تحت. ساعات بتلاقي المكان هنا زحمة وده في مواعيد الدواء أو الأاكل، غيركده بتكون الدنيا هادية. في حاات بتقعد في القسم ايام اصلا وتتحول لأقسام تانية بعض الفحص.
فتحت دكتورة ليديا باب حجرة واسعة جدا، من خلالها مشينا في طريقة بتؤدي لعدد من المكاتب وتلاجات وجبات خفيفة. وأخيرا وصلنا معاها لحجرة إجتماعات مضيئة وواسعة.
- المكان ده هو الي هانقضي فيه أغلب يومنا. النهاردة عامة يوم طويل، ولازم أوصلكم لمبنى الموارد البشرية، ومهم تعرفوا إننا مضطرين نقسم تدريبكم مابين هناك وهنا. وقد يكون شكل التدريب نفسه غير الي إنتم متخيلينه، بس صدقوني نتيجته ممتازة. خلونا نروح نكلم الإجراءات الورقية لإستلام الشغل. إتنين منكم هايشتغلوا في قسم الحالات الخطرة أول ست شهور، وواحد هايشتغل مع دكتورة آلن في قسم الحالات المزمنة. بعدها الست شهور التانية هاتبدلوا الأماكن. مبنى روبرتسون الي فيه الحالات المزمنة الناحية التاينة من الساحة. لذلك الي هايشتغل هناك هايشتغل لوحده مش مع فريق متدربين. من بقا فيكم هايتطوع يشتغل أول ست شهور لوحده في الحالات المزمنة؟
ما إترددش وقولت:
- أنا هاروح.
- دكتور بلاك، أنا سعيدة إنك سهلت علينا الأمور. غالبا كنا بندخل في خنقات علشان نلاقي حد يرضى يروح مبنى روبرتسون..اغلب المتدربين ما بيحبوش يتعاملوا مع أعراض الفصام.
-ايام ما كنت طالب، كان مألوف أتعامل مع الحالات الخطرة، كانت مالية المستشفى، بس مجاتليش فرصة ابدا أتعامل مع حالات مزمنة..شايف ده تحدي ممتاز.
الي ما قولتوش إنها فرصة ما أشتغلش مع آندي.
إبتسم دكتور ليديا وقالت:
- مش مألوف أسمع متدرب بيفكر بالطريقة دي. المهم، بعد تدريب النهاردة الصبح هاتفترقوا، بس هاتحتاجوا مساندة ودعم بعض طول السنة مهما بعدت المسافات بينكم. في أسئلة؟
- يومنا بيخلص إمتى؟
- حسب القسم الي شغال فيه. إسألوا المشرفين عليكم عن المواعيد. غالبا مش بنعدي الساعة اربعة ونص، بس في بعض الأطباء المشرفين على التدريب ممكن يحتاجوا المتدربين بعد أربعة ونص عشلشان الشغل الإداري. في أسئلة تانية؟
سأل جون:
- هو إيه الفرق بين قسم الحالات الخطرة وقسم الحالات المزمنة؟
- قسم الحالات الخطرة متنوع أكتر وفي ناس كتير شغالة فيه. في مثلا ست فرق علاجية في القسم، كل فريق فيه طبيب نفسي ومتدرب، وإثنين أخصائين إجتماعيين، إثنين من العاملين في الصحة النفسية وعدد من الممرضات المتوافرين. في قسم الحالات المزمنة، مافيش إلا فريق علاجي واحد. مافيش فيه طلبة طب كمان. بيكون فيه أخصائي إجتماعي وطبيب نفسي. في قسم الحالات الخطرة لو الحالة حادة بس مش خطيرة على نفسها أو الي حواليها، بيكون هدفنا نخلي المريض يطلع من المستشفى ويتلحق بمجموعة دعم نفسي يتابع معاها في بيته. ماعندناش إلا 200 سرير في القسم وهايتخفضوا ل150 بحلول الكريسماس. علشان كده بنبذل كل جهدنا لتصفية الحالات لإتاحة أماكن لحالات جديدة.
في قسم الأمراض المزمنة عندنا نفس الهدف. عموما يا دكتور بلاك نادرا ما هابتطلب منك أبحاث أو إختبارات نفسية جادة على عكس الي بيحصل هنا مع الحالات الخطرة والحادة. أغلب شغلك هايكون شغل ورق وتقارير. في القسم عندك 100 سرير هايقلوا ل75 بحلول الكريسماس، بس أعتقد إن ده هدف غير واقي ومش ممكن يتحقق.
سألت آندي:
- هم عايزين يقللوا الأماكن ليه أصلا؟
- بإختصار، الدعم قل نتيجة قضية رفعها احد على المؤسسة في السبعينات. ومن ساعتها والدعم المادي بيقل كل شوية.
قلت لها:
- لكن الأعداد المقبولة هاتكون قليلة جدا.
- حقيقي، ضيف لكده إن على الأاقل 100 مريض عندنا مايقدروش يعيشوا حياة طبيعية، منهم الي مايعرفش يروح الحمام لوحده، أو مابيفكرش ياكل أصلا أو بيقطع شعره طول الوقت وعايش على المراقبة والمهدئات.
في منهم ماينفعش يخرجوا لأنهم خطرين..ممكن نقعد نتكلم ساعات عن الأاحوال هنا، بس خلينا نبدأ شغل وهاتعرفوا التفاصيل مع الوقت.
مشينا للمبنى الإداري، وعدينا من قدام مبنى عتيق فيكتوري، كان جميل ومبهر، لكن د. بابكوك قالتلنا إن ماحدش بيستخدمه من السبعينات، والمفروض يُزال لأانه قديم جدا وخطر.
كان في كشك بيسموه (الكانتين) بيبع سجاير وحلويات و منظفات بسيطة للمرضى القادرين على العناية بنفسهم. حواليه المرضى كانوا قاعدين زي الأطفال، بياكلوا ويدخنوا ويضحكوا ويبصوا علينا وإحنا معديين قدامهم. سأل د.بابكوك واحد منهم:
- يا دكتورة، إنت جبتي الدكاترة الجداد معاكي هنا؟
- زي ما إنت شايف.
- هاتخرجوني إمتى أمال؟
- قالولك إمتى؟
- معرفش..
- لازم تركز في خطة العلاج، وأكيد هايطلعوك أول ما يلاقوا مجموعة علاجية تقدر تتابع معاها من البيت. تمام؟
- ايوه..إفتكرت فعلا إنهم قالولي كده.
في طريقهم شافوا الحلاق الي بيقص شعر الرجالة والستات يومين في الإسبوع، وشافوا عيادة الأاسنان الي بتفتح يوم في الإسبوع، وهي خدمات مجانية كلها.
سألت دكتورة بابكوك:
- المبنى الأساسي من سنة 1615 فعلا؟
- ممكن تسأل دكترة آلن، هي الي عارفة تاريخ كل ركن هنا.
سألت آندي:
- مافيش كتب عن تاريخ المكان؟
- زي ما قولت، دكتورة آلن عندها كل المعلومات والكتب، وهاتقضي معاها ست شهور وتاخدي راحتك معاها. هي ست ممتعة جدا وعندها ثقافة ونعرفة بكل حاجة.
وقفنا عند مبنى فيكتوري تاني، كان قديم ومشقق، وراكب في جدرانه مكيفات هوا عتيقة. أما فتحنا بابه كا بيزيق زي افلام الرعب. شاورت دكتورة بابكوك ورانا وقالت:
- بصوا، شايفين بوبا؟
- من بوبا؟
- طاووس من المقيمين هنا. أما كنت متدربة في آيوا، كان في طاووس برضو في المستشفى الي كنت فيها.
بصيت لبوبا الي كان بيتكشى في المكان زيه زي أي فرخة عادية وهو منزل ديله، كان بينقر في الأرض وياكل الفتافيت الي بتقع من أكل المرضى.قالت آندي:
- مكان تحفة..لو حصل وإتجننت في يوم من الأايام هاحب يجيبوني هنا.
بصتلها دكتورة باكوك في جدية وقالت:
- مابحبش أي إشتقاق لكلمة (جنون)..أغلب المرضى هنا مش هايحبوا يسمعوها أبدا. ومافيش حاجة حلوة أوي هنا تخلي حد يتمنى يفقد عقله علشانها.
- أنا بس كنت بقول إنه مكان مثير يعني..
تجاهلتها دكتور بابكوك ودخلنا المبنى الإداري.
___________________________
قضينا ساعات مملة نتفرج على أفلام عن المرض النفسي ونسمع محاضرات عن طريق التعامل مع المرضى والممنوعات عليهم، بعدها قعدت ممرضة ضخمة سردت علينا كل شيء عن تاريخ المؤسسة وعدد ووظائف العاملين فيها.
الساعة أربعة جه طبيبين نفسيين مقيمين، دكتور دونالد، وهو رجل عجوز بدقن رمادية، وكان شغال في قسم الحالات الحادة..يعني مش هاشوفه تاني قبل ست شهور.
أما الطبيب التاني كان دكتورة كاسندرا آلن..كاسي..
كانت باردة ومافيش أي تعبيرات محددة على وشها وماسابتش عندي اي إنطباع..
وكانت شقرا، بعيون زرقا..
👍👍👍👍👍👍👍
ReplyDeleteحلوة جدا
ReplyDelete