الحلقة السابعة- سيرسي
سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة السابعة
بريا كانت بتلعب تمارين تاي بو أما دخلت البيت. ماقلتليش أي حاجة. جبت بيرة وقعدت على الكنبة أشربها وأتفرج عليها كعادتي. بعد ما خلصت تمرينها قفلت التليفزيون وبصت لي.
- الساعة حداشر تقريبا، وانت ماكونتش في الشغل. كنت فين؟
كانت بتسأل بدافع الفضول مش الغضب.
- أخيرا قدرت أخلي دكتورة آلن تعترف بقدراتي وشغلي. قالت إني واحد من أفضل المتدربين الي أشتغلت معاهم، وعزمتني على العشا.
- متأكد إنها مش بترسم عليك؟
ضحكت وقلت لها:
- لو بش تشوفي الست دي ماكونتش تقولي كده. هي أصلا باردة ومش قادر أنخيل إنها ممكن تكون عايزة مني حاجة من الي بالك فيها.
- مش إمبارح كانت لسه كاتبة فيك تقرير زي الزفت؟ المهم ماما سابتلك الظرف ده.
طنشت الظرف، مش وقته، ونمت مع بريا رغم إلحاحها إني أفتح الظرف. بريا بعدها خرجت تتفرج على التليفزيون وفتح أنا الظرف. الخطاب فيه كان مرتب ومكتوب بحذر. بإختصار كانت بتتكلم عن حبها لبريا ووصفتها بأنها طفلتها وبتاع، وكانت كاتبة بالنص (بريا فاكهتي المحرمة التي نبتت من حب سري) ووصتني أخلي بالي من بنتها لأن مالهاش حد غيرها.
_______________________
حبمت تاني النهاردة..
نفس الست بعروقها السودا الي بتنبض تحت جلدها. عينيها كانت سودا كانها مليانة حبر.
قالت لي:
- اتبعني...
مشيت وراها بدون إرادة مني، كنت أسير قوانين الحلم. قادتني عبر ممرات وأروقة متربة ومليانة سراير مسشتفى قديمة. طلعت السلم وكانت خيوط العنكبوت بتلزق في وشها طول ماهي طالعة، وما أدركتش إحنا رايحين فين إلا أما وصلنا.
سألتني:
- أتراه؟
بصيت من فوق البرج العالي في سيرسي، وشوفت مباني المستشفى تحت رجلينان نايمة وسط الضباب. قلت لها:
- أنا شايف سيرسي.
- زحفت الخنافس من أنفها ووقعت عند رجليها وجريت عليا رجليا وتسلقتها..وكنت مشلول..
هزت راسها وبدأت تبعد وتاخد حشراتها معاها. قالت لي:
- أنت واحدٌ منا..ملكنا..
صوتها كان فحيح، ماتقدر تحدد إن كان صوت راجل أو ست. طرف لسانه المشقوق فضل يتهز قادمها كأه عايز يهرب منها. هزيت راسي في رفض وقلت:
- لا أنا مش واحد منكم!
إختفت وأنا بفتح عينيها وبلاقي نفسي في السرير ضوء النهار منور الأوضة. بريا كانت جنبي والعالم حواليا زي ماهو..بس أنا نمت والشباك مقفول، من فتحه؟
بصيت من الشباك وعينيا جت على شبك العنكبوت في الجنينة، واستعدت كلام الست الي في الحلم تاني، كأنها صدمة طفولة قديمة مش راضية تتنسي.
الكلب شافني صحيح بدأ ينبح، خرجته للجنينه وفضلت أبص عليه وهو بيلعب ويجري. أما خلص لعب وعمل حمام، دخلته تاني علشان يقعد في مكانه المفضل تحت رجلين بريا، دايما بيحبها أكتر من قدرتي أنا على الحب.
نزلت أجري، وحاولت أنفض دماغي خالص..بتخيل اي مكان بحبه قدامي وبجري عليه، وده بيفكرني بالمرة الوحيدة الي فشلت فيها، اما ماقدرتش أطلع قمة إيفرست ، ومافيش حاجة خليتني محرج في حياتي قد فشلي ده.
الفشل مكانش غلطتي، كان غلطة بريا..كانت معايا في الرحلة دي ومكانتش أكلت حاجة من ساعة ما وصلنا ارتفاع عشرة الاف قدم، بدأت تتعب ترجع..وماكملناش..
جسمي يقدر وعقلي يقدر يتسلق اي جبل أنا عايزه، وقلبي كره إني فشلت بسببها.
بمجرد ما أخدش حمامي ولبست هدومي وسلمت على بريا قبل ما أخرج، حسيت إني عايز أرجع السرير معاها تاني..المشاعر وحش متلاعب!
المرة دي ركبنا عربية جون. اول مركبت قال لي آندي:
- يعني تقلبنا إمبارح علشان تروح البيت مع آلن؟!
- ما تسألينيش..انا عبد المأمور.
- مش إجابة دي! احنا محتاجين معلومات، ونستاهل التعب معلش..احنا فضلنا مستنيينك لحد ما تخلص عبوديتك عند دكتورة آلن، يبقا نستاهل تتعطف علينا وتفهمنا!
- فعلا معرفش، فجأة اتغيرت وبقت لطيفة. قعدت تمدح شغلي وقالت إني أحسن متدرب قابلته وعزمتني على العشا.
قال جون وهو بيضحك:
- ايوه يا عم..الي عدّى عدى!
قالت آندي في فضول:
- ايوه..عديت بقيت فين بقا؟! ده الي محتاجة أعرفه. عاملة ازاي بقا أمنا الغولة؟
- عادي يعني..بتتكلم كتير.
- بتتكلم عن ايه؟
- اي حاجة ..كلام فاضي.
- يعني ايه كلام فاضي؟
- مثلا شايفة ان الجواز نظان فاشل المجتمع حطه علشان يشرع الجنس ويحمي الأنا العليا..كلام من ده.
- الهري بتاع فرويد يعني.
- بس هي مثيرة للإهتمام..افكارها وثقافتها..هي عندها كم سنة؟اربعينات؟ جيلها بيحبوا سكة الفلسفة دي والتحليل النفسي. دماغها حلوة فعلا، بس اصغر من السن ده. تفكيرها كأنها دخلت جامعة سنة خمسين مثلا..هي الي افكارها قديمة.
______________________
الساعة واحد تقريبا، دخلت دكتورة آلن مكتبها وهي شايلةكوم ملفات حطته على مكتبها. ماكونتش متوقع غ، معاملتها تتحسن بعد عشا إمبارح، فسكت لحد ماهي قالت:
- طلبت من كاتي تمسك شغلك النهاردة. تحب تيجي معايا في جولة في التالت؟
- كنت فاكر إنه مش مسموح للمتدربين يدخلوا الدور التالت.
- مش لوحدهم..إنت هاتكون معايا. المتدرب ممكن يساعد في التالت لومعاه مشرف على طول.
أغلب الناس بتتخيل إن مستشفيات الامراض العقلية زي ما بيشوفوها في الأفلام..أوض مبطنة، قميص بأكمام طويلة رابط المريض في بعضه، دكاترة منكوشين ومجانين.لكن دي صورة بعيدة خالص عن الواقع من خلال شغلي في كذا مستشفى أثناء الدراسة.
لكن، في الدور التالت الوضع كان مختلف، وكانت أول مرة أشوف فيها أوضة مبطنة! المكان ده بيحطوا فيه المرضى الي ممكن يأذوا نفسهم وهم في مرحلة هياج. التحكم كان اكبر في كل تفاصيل المكان، مكانش في كراسي أو أي اثاث مش متثبت بمسامير في الأرض. المرضى مكانش عندهم رفاهيات ولا لهم حريات زي باقي مرضى الدور الأول والثاني. كان جو مغلق محكم.
قالت لي كاسي:
- كل المرضى هنا موجودين بأمر قضائي.
شاروت كاسي على شابة قاعدة قدام التلفزيون:
- دي ليلى، طعنت جوزها سبع مرات في ضهره، بقالها هنا سنة وبنحاول نلاقي مجموعة علاج منزلية مناسبة لها. مانقدرش نحتفظ بأكتر من 100 مريض هنا ومضطرين إن حد عنيف زي ليلى يتعالج في البيت علشان مافيش مكان.
شاورت كاسي لست تانية بترقص قدام اوضة التمريضوقالت:
- دي نيتا، خلي بالك منها. عندها إيدز وبترفض تاخد الدوا. بنتضطر نكتفها كل يوم ونحقنها بالدوا. كمان بتحب تخربش الناس وتتف في جروحهم علشان يتعدوا.لو ما طالتش تخربشك هاتعور نفسها وتلطخك بالدم بالعافية. هي مش مقتنعة إن عندها إيدز وشايفة إننا كلنا بنتآمر عليها علشان نتمنعها تمارس الجنس. كانت فتاة ليل وبمجرد ما تطلع من هنا هاتنام مع اي راجل يديها قرشين. هاروح المحكمة بكرة، لازم أشهد بحالات المرضى الي تبع المحكمة وتطورهم. قول للسيدة جارنر ودكتور يوشي إنك جاي معايا علشان يشوفولك بديل.
- شكرا لك..
قضيت باقي اليوم بتكلم مع مرضى كاسي، وكانت بتحب الدور التالت لأنه بيمنحها حرية أكبر في علاج المرضى. في نهاية اليوم أتمشينا سوا بره المستشفى، والغروب رجعلي ذكرى حلمي تاني وقبض قلبي.
قالت لي:
- إستثنائي..صح؟
-هو إيه؟
- المكان ده..دورت سنين لحد ما لقيته.
- كنت بتدوري على إيه بالضبط؟
- كل حاجة..المرضى، المباني، التاريخ، الحرية..بص حواليك..إحنا شغالين في متحف، جزء من التراث المنسي..تقدر تحس بالموتى بيبصوا عليك من الشبابيك..الشغل هنا ممتع.
بصيت حواليا للمباني الي مش بعض وللمرضى. بصيت على الحطيطان المتهالكة المشققة والأشجار المسودة والمرضى ماشيين زي الأاشباح بينها..
ولا إحنا الي أشباح؟
- أنا إشتغلت في خمس مصحات قبل دي..شايف المبنى ده؟
- البمنى القديم بتاع الحالات الحادة؟
- أيوه..ده كان مكان خاص بالمرضى السود. طبعا كان في مستشفيات أحسن في الشمال وكان بيروحها البيض بس. المكان ده مكانش مخصص بس للمرضى السود، لأ، كان بيتحجز فيه اي شخص أسود يضايق البيض.طبعا زمان الرجل الأاسود مكان له حق التصويت او رفع قضايا على البيض. كان في أكتر من 3000 مريض هنا. ده طبعا كان زمان أوي.
كاسي كانت تبحاول تاخدني معاها في رحلة زمنية للماضي. مدت إيدها وشاورت حواليها وقالت:
- كل الأراضي الفاضية دي والمستنقعات كامنت مزارع قطن زمان والمرضى كانوا بيستلقوا في الشمس ويتفرجوا على المنظر الجميل ده، وكان السود بيشتغلوا عبيد في الااضي دي مجانا طبعا..
- إنت ليه كنتي بتدوري على مكان تاريخة إسود بالمنظر ده؟
مالت كاسي وحطت إيدها على حيطة المبنى الي جنبنا وقالت:
- علشان المكان ده فعلا مسكون وحزين..مش حاسس؟
- أعتقد إنك محتاجة قرص زيبركسا.
كاسي ما التفتتش ليا، ضغطت بإيدها الحيطة الباردة وقالت:
- قد إيه صعب؟ إنك ما تؤمنش بحاجة إلا بنفسك؟
- مش فاهم السؤال.
- طبعا مش فاهم.زلو كنت فاهمة ماكونتس سألته..لازم تروح بيتك، مراتك هاتقلق عليك.
- مابقتش سعيدة معايا مؤخرا. شايفة إني بشتغل كتير.
- ده صحيح..إنت بتشتغل أكتر من اي حد تاني، لكنك عمرك ما اعترضت.
- ماعنديش مشكلة أشتغل لوقت متأخر.
- شكلك مش مستعجل ترجع بيتك.
ما رديتش عليها، ماكونتش عايز ارد. انا عمري ما استعجلت علشان ارجع بيتي وماعنديش تفسير لده. انا بحب مراتي، بحب وجودي معاها. ماكونتش عايز اتفاداها لكني ماكونتش برضو شايفها حاجة الواحد يستعجل يرجع البيت علشانها...تفكير مالوش تفسير.
مشينا ناحية ساحة إنتظار العربيات، قالت كاسي:
- يمكن إنت بتفكر فيها كحيوان أليف مش زوجة..شيء بتستمتع بوجوده لكنك مش مضطر للإلتزام بشيء ناحيته.
إلفت لها في عصبية وقلت لها:
- إسمعي، أنا إستحملت قرفك كتير بس مش هاستحمل كلمة واحدة عن بريا.أنا بحترم رأيك العلمي بس مش لائق أبدا تفترضي إفتراضات زي دي عن إحساسي بيها. إنت ماتعرفيناش، وإنت مجرد مشرف عليا مش طبيبي النفسي.
- كلامي جه على الجرح هه؟
- قلت لك كفاية!
- بسأل فضول مش أكتر.
- مش فاهم؟!
- إنت فضولي وفاهم أما الواحد يشوف حالة مثيرة للإهتمام ما بقدرش يمسك نفسه.
جالي نفس الإحساس الي حسيت به أول مرة أقابلها..مشلول ..
علاقتنا كانت غريبة، انا اقدر اقدم فيها شكوى، أو أحط حدود للتعامل المهني بيننا وخلاص..لكني ماعملتش اي حاجة تجاهها..وقفت مكاني ابص لها وخلاص.
- تحب تاكل حاجة؟
- انا هاروح مع جون وأندي النهاردة.
- طيب بكره؟
- هاشوف.
ابتسمت لي وقلعت النضارة. ضوء الغروب خلاها أجمل. نحافتها إتحولت لجمال جسم العارضات، عينها الباهتة بقت بحيرات شيطانية، ابتسامتها لمعت وسط بشرتها الرخامية واديتها مظهر مصاصي الدماء المرعب والمغري. رغم إني لاحظت كل ده إلا إني اقنعت نفسي إني ماشوفتش حاجة. اقنعت نفسي إني مش عايز منها حاجة إلا شهادة بكفائتي تساعدني في شغلي. قلت لنفسي إني عايز أكون معاها علشا ابقا أحسن متدرب شافته في حياتها. معرفتها كانت خطوة في طريق مستقبلي مش أكتر..
Comments
Post a Comment