الحلقة ‏الأولى- ‏في ‏مكان ‏مظلم

في مكان مظلم
 ( قصة الإستحواذ الشيطاني على الطفل ستيفن سنيديكر وعائلته- قصة حقيقية من ملفات عالمي الشياطين إد ولورين وارن)
 الحلقة الأولى

الفصل الأول
الانتقال

- ماما..لازم نسيب البيت ده، في ..في حاجة شريرة هنا.
كارمن سنديكر كانت واقفة بتغسل الأاطباق في المطبخ ورغاوي الصابون واصلة لحد كوعها تقريبا. حواليها كانت لسه الصناديق الي نقلوا فيها حاجبتهم للبيت الجديد متناثرة وبعضها لسه مقفول، بيجري حواليهم حيوان الأسرة الأليف "فيري" والي كان عبارة عن نوع من القوارض المسأنسة.
كانت كارمن سامعه أصوات ضحكات أولادها التانيين وهم عمالين يطلعوا يدخلوا من البيت الف مرة في الدقيقة وهم بيلعبوا.
أما ستيفين إبنها الي كان عنده 14 سنة وقتها، كان بيلف حواليها في قلق وصمت. كان بيفتح الصناديق بطرف رجله ويبص فيها في شرود وهو بيحاول يلاقي كلام ووقت مناسبين للتعبير عن الي حاسس بيه.
- بتقول إيه يا ستيفن؟
- بقول إن في شيء شرير هنا يا ماما، لازم نسيب البيت ده.
حطت كارمن الطبق الي كانت بتغسله في الحوض، ولفت لإبنها ببطء وسألته مستنكرة:
- نسيب البيت؟ إحنا لسه واصلين يا حبيبي.
- عارف..بس لازم نمشي دلوقتي.
- طيب هانروح فين؟
- نرجع نيويورك، لشقتنا. لازم نمشي يا ماما..في حاجة.....
سكت ستيفن أما مالاقاش لفظ مناسب يوصف به الشيء الي حاسس به..بعدها قال في تردد:
- في حاجة غلط في البيت ده.
شطفت كارمن إيديها من الصابون ونشفت وتفرغت لمواجهة إبنها.
ستفين كان شاحب، وتحت عينيه الغائرة هالات سودا. طول الوقت كانت كارمن بتحاول تتعود على مظهر إبنها وتتعامل على إن التغير في شكله مش ملحوظ. بس كل مرة كانت عينيها بتقع عليه كان قلبها بيتعصر من الحزن.
العلاج الإشعاعي الي كان بيتلقاه بعد إصابته بالسرطان كان بيسحب الحياة منه، بيصفيه وبيخليه كأنه لعبة خزفيه فاضية شبه إبنها بس.
- طيب يا ستيفن إنت شايف إيه الغلط في البيت ده؟
هز ستيفن كتافه وهو بيحاول يحدد إيه الغلط، وقال:
- صعب أشرح لك. بس في حاجة وحشة..شريرة..ولو عيشنا هنا في حاجة فظيعة جدا هاتحصل لنا..حاجة بجد فظيعة..
- حبيبي، مافيش بيوت شريرة..الناس بس هي الي ممكن تكون شريرة. الشر مكانه في القلوب وبيكون عبارة عن تصرفات أو كلام مؤذي بيئذي الي حوالينا. لكن البيوت حاجة تانية..البيوت لو كانت تقدر تتكلم كانت هاتحكيلنا عن حيوات الناس الي عاشت هنا قبلنا، وعن الشوارع والموسيقى والمحبة..ممكن برضو تلاقي وسط حكاياتها حاجات مرعبة..بس البيوت نفسها مش ممكن تكون شريرة..المكان بس جديد بالنسبة لك فتلاقيك مستغرب مش أكتر. إدي نفسك فرصة وهاتتعود وتحبه كمان.. شوفت أوضتك تحت؟
ستيفن أحنى راسه وبص في الأرض، وأومأ وقال حاجة بس مكانتش مسموعة بالنسبة لكارمن.
مسكت كارمن طرف دقنه ورفعت وشه ناحيتها قالتله:
- ماسمعتش.. قولت إيه؟
- المشكلة إن الأوضة هي الي فيها حاجة غلط..حاجة شريرة أوي هنا يا ماما..أنا مش عايز أنام تحت..غلط أنام تحت.
حاولت كارمن ماتبينش رد فعل معين على ملامحها، وفكرت نفسها تاني إن ستيفن مايعرفش أي حاجة عن تاريخ البيت، ولا كان إيه قبل ما يبقا مسكن. إتنهدت وحاولت تهدي نفسها وقالت له:
- بس دي أوضتك..مش إنت دايما كان نفسك في أوضة بتاعتك لوحدك؟
- مش هنام تحت للوحدي..
- بس أخوك مايكل مش هايرجع من الاباما قبل كم إسبوع، هاتنام فين بقا لحد ما يرجع ينام معاك؟
- هنام على الكنبة، أو أنقل السرير في الصالة..مش عارف..المهم مش هنام تحت لوحدي.
ستيفن كان متوتر جدا، قال عبارته وخرج من البيت.
فضلت كارمن واقفة مكانها والفوطة في ايدها..وإفتكرت إزاي بدأت حكايتها مع جوزها وإبنها ستيفن..
_______________
 قصة عائلة سنديكر بدأت أما كارمن قابلت آل سنديكر أثناء عملها كمضيفة مطعم في كونيكتيكت سنة 1977. آل كان وسيم وطويل، عنده شارب منمق وشعر بني قصير، كانت بنيته قوية نتيجة عمله اليدوي لسنين طويلة. كارمن كانت على العكس، ضئيلة الحجم، بإبتسامة ساحرة وشعر مموج أصفر. الإثنين إنجذبوا لبعض فورا، لكن كارمن كانت عايزة تتمهل شوية قبل بداية علاقة جديدة.
كارمن كانت إتجوزت وهي ماكملتش العشرين، وأنجبت ستيفن ومايكل، وللأسف كان إختيارها متسرع فإتطلقت، وغنتقلت للحياة مع والديها في كونيكتيكت هي وولادها، وايتدت تدور على شغل لحد ما لقت وظيفة مضيفة في المطعم.
بالنسبة لآل، كان اخ لخمس أخوة وأخوات، عاشوا كلهم طفولة سعيدة في مزرعة في نيو إنجلد، إتجوز آل سنة 1975 لمدة 19 شهر فقط وما كملش، وسريعا حاول يدخل في علاقة تانية للبحث عن الإستقرار.
إتجوز آل وكارمن وأنجبوا طفلين كمان، وعاشوا حياة هادئة متدينة سعيدة لحد ما تعب ستيفين وبدأت تصيبه نوبات كحة مستمرة ما زالتش لوحدها كعادة أمراض الأطفال، وما نجحتش معاها وصفات الأعشاب ولا الأدوية البسيطة.
في يوم جه ستيفن لوالدته وشاورلها على كرة صغيرة تحت جلد رقبته وسألها:
- ماما، إيه دي؟
حطت كارمن صباعها تحت فك ستيفن وحست بالكرة الصغيرة، لكنها قالت لنفسها إنها هرمونات عادي والولد في سن مراهقة، لكن شيء ما مكانش مريح، مع إستمرار الكحة الغريبة دي، هرمونات برضو؟
- هاتصل بدكتور اليوت..
دكتور اليوت هو طبيب أطفال الأسرة من زمان، وطلب إن ستيفن يفضل في المستشفى كم يوم لحد ما يعملوله بعض التحاليل. ستيفين كانت صحته عموما كويسة جدا، وقعد في المستشفى يتفرج على الكارتون ويسأل عن كل حاجة بيشوفها في فضول وإقبال على الحياة.
لكن دكتور اليوت كان له رأي تاني، وطلب تحاليل أكتر لأنه مش متطمن للنتايج الي ظهرت.
دخل آل لستيفن أوضته وقعدوا يهزروا سوا، حاول زوج أمه يطمنه لكنه هو نفسه كان قلقان. ستيفن كان ولد مطيع وطيب وفعلا آل كان بيحبه جدا وما بذلش أي مجهود معاه في بداية زواجه بأمه.
- بص يا حبيبي، الدكتور لسه مش عارف إنت عندك إيه بالضبط، علشان كده محتاج ياخد عينة من الكرة الي في رقبتك علشان يحللها.
- عينة؟! مش العينة دي بتتاخد اما بيفتحوا الواحد نصين ويطلعوا كل أحشاؤه بره؟
- لا يا ستيفن! الي بتقول عليه ده إسمه تشريح..العينة دي هياخدوة فتفوتة صغيرة اوي ويحللوها، وهتاخد بنج ومش هاتحس بحاجة.
___________________
بعد العملية، عشت الأسرة أيام عصيبة لحد ما نتيجة لتحاليل ظهرت. في اليوم ده دخلت كارمن من بره البيت، لقت آل قاعد وعينيه مدمعه وماسك سماعه التليفون. فورا عرفت إن المكالمة كانت عن ستيفن. أما سألته إنهار وغطى وشه بإيديه، قعدت جنب كرسيه على الأرض..
للأسف، ستيفن كان عنده ورم سرطاني ليمفاوي، وحالته غير مطمئنة.
مع إنهيار كل شخص يسمع الخبر وكأن ستيفن مات خلاص، فضلت كارمن صامدة، بتلومهم على ضعفهم، وبتديهم الأمل في إنه هايخف عادي..مش معقول طفل مثالي زي ستيفن يموت!
خلال الاسابيع التالية، اغلب وقت كارمن كان مع ستيفين في رحلاته بين المستشفيات لإيجاد بروتوكول علاج مناسب بع المزيد من الفحوصات والتحاليل. ستيفن كان بيلح علشان يعرف سبب مرضه، وكان بيشوف الكل بيتهرب من مواجهته. أخيرا كارمن قال له:
- انت..انت عندك مرض إسمه مرض هودجيكين..نوع من ال..السرطان الليمفاوي..
اومأ ستيفن ببطء وتفهم.
- سرطان.. كنت حاسس.. بس ماتخافيش، مش هاموت.
- طبعا يا حبيبي مش هاتموت، علشان إحنا هانتعالج وهاندعيلك كتير وهانحارب سوا.. لازم تبقا قوي علشان الحرب قوية..ماشي؟
- مش هاموت..
_________________________
كل يوم الصبح، آل كان بيوصل كارمن وستيفن للمستشفى ويرجع بسرعة علشان يقعد مع الأولاد. كان عارف إن الوضع مستحيل يستمر كده، وإن اجازته من الشغل هاتخلص ومش عارف هايعمل إيه.
في المستشفة التعليمي الي سمحت بيها ميزانيتهم، ستيفن بقا محاط بالأطباء الي بيشرحوا عليه للطلبة طول الوقت، وإبتدى يضعف ولونه يشحب.
كارمن كانت ساعات بتبات في اوتيل جنبالمستشفى علشان ما يضطرش آل إنه يروح وييجي كل المسافة دي يوميا، خصوصا بعد شكواه من الم في الصدر نتيجة الضغط العصبي والقلق.
إتصلت كارمن بوالدتها واندا جين، وطلبت منها تقعد مع أحفادها علشان يقدر آل يريح شوية ويرجع شغله.
في النهاية رجع ستيفن بيته، وكان أنحف وأضف بكتير من آخر مرة شافه اخواته فيها. وكان مطلوب منه يروح كونيكتيكت يوميا لتلقي العلاج بالكوبالت.
قرر آل وكارمن إنه يدوروا على شقة قريبة من المستشفى، بحيث يوفروا على الولد المسافة والسفر، وتقدر كارمن تراعي ولادها وبيتها، بينما آل هايفضل في هارلي فيل علشان شغله، ويجيلهم في الإجازات.
كانت المشكلة هي انهم محتاجين شقة تكفي اربع أطفال، وتكون رخيصة لأن مصاريف المستشفى أهلكتهم.
استغلت كارمن كل لحظة تكون فاضية فيها في البحث عن شقة، بس كل مرة كانت بترجع بإحباط مختلف..الشقة صغيرة أوي، الشقة غالية..بعيدة..رطوبة..إلخ. 
قررت تشوف سمسار، لكن في طريقها لمقابلته مرت على مبنى قديم مكون من تلات أدوار، متعلق قدامه لافتة (للإيجار).
المبنى علق في دماغها لوهلة، لكنه رجع لذاكرتها تاني بعد ما قابلت السمسار ولقت ان الموجود عنده كله مش مناسب.
في طريق عودتها رجعت للمبنى تاني. كان في عمل شغالين فيه، سألت وحد منهم عن مالك العقار ودلها عليه. سألها صاحب العقار:
- اقدر أساعدك؟
- ممكن اتفرج على المبنى من جوه؟ لو مناسب عايزة أأجر منه شقة.
- ممكن طبعا، بس أنا مش المالك، والدنيا زي ما انت شايفة زحمة معرفش هاتقدري تفرجي براحتك ولا إيه.
- انا بقالي كتير بدور على شقة لعيلتي..وإبني تعبان ومحتاجة مكان بأقصى سرعة..و...
الرجل كان متفهم، وكارمن صعبت عليه. قال لها: 
- بقولك إيه..في شقتين جاهزين في المبنى،واحدة آخر دور و التانية في الأرض. ممكن تطلعي الشقة الي فوق تشوفيها لو عجبتك، هاديكي رقم صاحب المكان.
_______________
طلعت كارمن شافت الشقة، وكانت واسعة جدا وفيها شبابيك ضخمة منورة، وكان فيها اربع اوض نوم كبيرة.
لكن الخوف كلها إنها تكون غالية..
نزلت كارمن ورجعت للأوتيل، وكلمت صاحب البيت، وحكت له كل وضعها قبل كل شيء، يمكن يخفض السعر من تلقاء نفسه.
فكر السيد لاوسون شوية، وأتمنى لإبنها الشفاء، بعدها إقترح عليها يديها شقة الدور الأرضي لأنها أرخص كتير وهاتناسب ميزانيتها.
كارمن مكانتش شافت الشقة التانية، بس حتى لو طلعت أصغر شوية فبرضو هاتبقا ممتازة جدا. وافقت كارمن بسرعة وحست كأن تقل ضخم إنزاح من على صدرها.
بدأت كارمن في إجرات الإنتقال فورا، مايكل هايروح مع جدته كم اسبوع لحد بداية المدارس، آل هايساعدها طبعا في النقل هو وأخوه بعدها يرجع لشغله ويجيلهم كل أجازة.
الكل كان متحمس للإنتقال، حتى برغم إنهم لحد دلوقتي، ماشافوش الشقة الجديدة..
___________________________ 

في الليلة قبل ما ينتقلوا بشكل نهائي للشقة الجديدة، نامت كارمن ودماغها مشغولة بألف حاجة، وحلمت بحلم غريب شافت فيه توابيت مرصوصة جنب بعض، جثث عارية شاحبة، أدوات قديمة مشؤمة، سلاسل، خطاكيف، ورجل مالوش ملامح لابس رداء عليه لطخة بنية بيمشي بين صفوف التوابيت وهو ماسك أحد الأادوات الغريبة في إيده...
صحيت كارمن مفزوعة، نفسها رايح وجسمها بيترعش. نور الصبح كان داخل من الشباك، ورغم إدراكها إن الي شافته حلم، لكن في حقيقة إستقرت جواها..بصت لآل النايم جنبها وقالت له:
- أنا أجرت بيت جنازات!
- هه؟
- الشقة..المبنى.. المكان ده كان بيت جنازات..
- إنت كنت بتحلمي؟
- لا..قصدي..آه كنت بحلم، بس ..المكان ده كان بيت جنازات!

Comments

Popular posts from this blog

عشرة ‏أيام ‏في ‏مصحة ‏عقلية ‏- ‏تأليف ‏نيلي ‏بلاي (كامل)‏

إهداء- ‏ستيفين ‏كينج- ‏ترحمة: ‏شيرين ‏هنائي

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي