الحلقة ‏١٤-سيرسي

سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة 14

آخر يوم في المؤتمر خرجت أمشي لوحدي وأدور على قارئة الودع. كنت عايز أبرأ نفسي من الجرايم الي بتهددني بيها كاسي.
فضلت ماشي في ميدان الكاتدرائية، بدور على بنت بطاووس على ظهرها. سألت كل الي لقيتهم قدامي وسألت في كل محلات أدوات السحر..محدش يعرفها..البنت كانت همسة دخان في حلم..
بس شوفت الشبح الي شوفته في سيرسي هنا، الست الي كانت لابسة أبيض. شعرها ملموم وأسود..شاورت لي فروحت لها..قال لي:
- إزيك..أنا جين!
ضحكت..سألتني:
- إيه اللي بيضحك؟
- واحدمن مرضاي قال إنه يعرف شبح إسمه جين.
- مش يمكن كان قصده انا؟
- إنت مين؟ وتعرفيني منين وكنت بتعملي إيه في سيرسي؟
- أنا عارفاك وعارفة إنك بتدور على البنت أم وشم طاووس.
- هي فين؟
- مشيت..هربت..مش هاتلاقيها تاني..بس ماتقلقش، ماتقلقش..هي بتلوم نفسها على كل الي حصل لها، لو كانت هنا كانت قالتلك كده.
- إنت مين وبتعملي إيه هنا؟
ضحكت ومشيت ودابت وسط الزحام. فضلت واقف مكاني باصص على المكان الي كانت فيه، وأخيرا قدرت احرك رجليا وأروح أقعد على مقعد قدام الكاتدرائية واحط دماغي بين إيديا..مش فاكر قعدت على الوضع ده قد إيه لحد ما لاقيت كاسي جت وقعدت جنبي...مش مهم..خلاص إتعود على ضصوتها المُخدر.
- مالاقيتهاش هه؟ إيه رأيك؟
- إنت إيه؟تعرفيها منين؟ قريبتك؟!
- قلت لك، سيرسي وريتني كل حاجة.
- من سيرسي؟!! 
- الي بتجيلك في أحلامك..الي جمعتني أنا ,انت في البدروم في الليلة إياها.

كل الغضب الي جوايا إتجمع في عقدة في زوري، قلبي كان بيدق في وداني، ومافيش حاجة كانت في بالي إلا بريا والبيبي..بريا شافت سيرسي دي..
إتحول الغضب جوايا لهلع، مش خوف على نفسي إنما على مراتي..لو إن في فرصة واحد في المليون إن المخلوق الي بشوفه في أحلامي حقيقي فبريا في خطر.
سألتها:
- إنت بتتكلمي عن إيه بالضبط..وضحي.
- إنت مش عارف؟ كنت فاركراك عارف. 
كان باين إنها مُحبَطة من إجابتي.. 
- عارف إيه بالضبط؟ أنا مش فاهم إنت ليه بتلعبي اللعبة دي كلها عليا؟
- إنت ماشوفتهاش؟ المخلوقة..الشيء...
- كل الي شايفه شمطاء بائسة بتستغل سلطاتها علشان تتحرش بمتدرب عندها. معرفش عرفتي الي عملته زمان منين، بس مش دورك تخيني أتوب عن ذنوبي، إنت مش رجل دين.
- إنت أصلا تقدر تتوب؟ كنت فاكرة إنك بدون ضمير.
مش عارف ليه بتكرهني كده، الكره كان بينقط من لسانها..قلت لها:
- مش هاعمل نفسي فاهم، ومش عايز دكتورة بابكوك تتدخل في الموضوع، انا كمان هخسر كتير زي ما أنت هاتخسري. خلينا نعتبر إن كل الي حصل ما حصلش، اديني تقدير كويس ومش هانتكلم عن الموضوع ده تاني، مش هاتشوفيني حتى الأسبوع الجاي خالص وانت ماتحاوليش تشوفيني.

كاسي كانتمحتارة ويائسة ومشوشة، سألتني في إستجداء:
- إنت فعلا ماشوفتهاش؟؟
- مش فاهم بتتكلمي عن من.
كدبت عليها تاني، ماهياش إله بالتالي ماتعرفش كل حاجة والدليل إنها شكت في معرفتها أهي. مدت إيدها ولمست خدي، كان في دموع في عينيها وماقدرتش أسألها عن سبب بكائها. برغم كل الغضب الي جوايا ناحيتها بوستها.. واضح إن الكره والغضب بيتحول ناحيتها لرغبة معرفش ليه. يمكن كاسي عندها حق..أنا حيوان..
نمت معاها لآخر مرة ليلتها، والصبح غادرنا نيو اورليانز في صمت..كنت حاسس إننا الإثنين فقدنا أرواحنا في مكان ما في الممرات تحت المستشفى.
_____________________
الفصل الخامس

بريا كانت في إنتظاري، كانت شاحبة وضعيفة وهي بتعمل تمارين يوجا الحمل قدام التتليفزيون. بصت لي، وعرفت فورا إنفي حاجة غلط، بس ماتوقفتش عن تمارينها..
كان في رياح بره، وحسيت ان البيت بيتهز في الضلمة من قوتها.
كنت تعبان ومرهق، بصيت لمراتي الجميلة الي عمرها ما كدبت عليا وعمرها ما عملت إلا اللي فيه مصلحتي. وراها كانت اطنان من التضحيات..إتجوزتني وهي صغيرة وضحت بطموحها علشان طموحي..وبرغم كل ده كرهتها، علشان كل ده كرهتها.
وأدركت إني عمري ما شوفت بريا، طول الوقت كنت شايف إنعكاسي فيها.
تعبت من الكدب، وتعبت من خيانة الشخص الوحيد الي بيحبني..
رميت شنطتي على الارض وقعدت جنبها. قلت لها:
- لازم اقولك حاجة..
- غريبة..حاسة إني شوفت كل ده في حلم، يمكن الحمل خلاني مستبصرة!
- أنا آسف..
- آسف على إيه؟
- أنا وكاسي..
قاطعتني بريا في غضب:
- كنت عارفة!
- صدقيني ما قصدتش، بس أنا غلطت ..غلطت كتير..بريا، أنا ماكونتش دايما رجل محترم.. كاسي كانت عارفة كل أخطائي وكانت بتهددني بيهم. ده مش عذر طبعا، بس كنت حاسس إن مافيش قدامي أي إختيار. كلامي ده مش طلب للمغفرة، أنا بس بوضح لك لأنها ست مجنونة وأنا ماكونتش عارف أعمل إيه.
كنت ضايع......
إتخنقت بكلامي، غرقت في ندمي الضحل، الدموع غطت وشي..
- ...دلوقتي هي بتعمل تصرفات راعباني..ما أقدرش أخونك أكتر من كده، أنا بحبك، وبحب إبننا..مش عايز خيانتي دي تدمر عيلتي، بس أنا فعلا خايف من الي ممكن تعمله..
صوتي كان بيرتجف من الخوف والحزن، كنت عارف إن اعترافي ممكن يخليني افقد بريا للابد، بس البديل كان خطر..السكوت خطر..
- أقسم لك يا بريا إن دي آخر مرة، أنا إتغيرت..عارف إن كلامي ده كليشيه وإتقال الف مرة بس اوعدك..أقسم لك إن الجزء الخاين مني مات للأبد.
فضلت بريا باصة للتليفزيون وقالت:
- طول الوقت كنت عارفة..أمي كانت دايما بتسألني ليه مستحملة خيانت، كنت بقولها إني كل الستات بالنسبة لك فرائس، لأكني بالنسبة لك إلهة..فين هالاقي رجل تاني شايفني إلهة؟ كنت متعايشة مع أخطائك، بس مؤخرا الوضع إختلف..الطفل الي جاي غير كل حاجة، كمان مابقتش قادرة أستحمل إنك تكون معاها..مكانش فارق معايا الستات الي كنت بتعرف ليوم واحد، بس دكتورة آلن كانت حقيقية، بتشوفها كل يوم، كت خايفة تكون حبيتها.
قامت بريا، جريت وراها وركعت قدامها وفنت وشي في رجليها.
- لا! أرجوكي..سامحيني..أنا بكرهها، دي مجنونة! دي عاملة معبد وثني تحت المستشفى ومعتقدة إنها ساحرة! بتنام مع العيانين وأبتزتني علشان أوافقك اعمل علاقة معاها.
- ساحرة؟!
- هي مقتنعة إنها ساحرة، مجنونة!
مسكت إيدين بريا وأنا لسه راكع قدامها وحكيت لها كل حاجة من أول قرائة الودع لحد جين الي شوفتها في الميدان إمبارح. حكيتلها عن أبويا وخوفي أبقا زيه..
كانت بتطبطب عليا وتملس على شعري كأنها أمي..
- عمري ما شوفتك كده..كنت دايما هادي ورزين، مين هايسندني لو إنت ضعفت كده؟
- سامحيني..
- كنت مسامحاك من قبل ما تدخل من الباب أصلا. بحبك، بحبك كلك وبكرهها. لازم توعدني إن حتى لو فقدت شغلك مش هاتخليها تلمسك تاني.
- أقسم لك بكل شيء آمنت به في يوم..
- أنا لازم أتكلم معاها..
- عايزة تكلمي دكتورة آلن؟!
- أيوه..لازم.
- بس خلاص كل حاجة إنتهت، مش شايف ضرورة لتورطك في الموضوع.
- أنا مش زيك يا إيريك، أنا مؤمنة بالله وبوجد الشيطان ومش عايزة واحدة وثنية مشعوذة تلعنني أنا وإبني. لازم أكلمها.
- صدقيني ماعندهاش أي قوى خارقة يعني، آخرها شوية الترانيم الي بتقولها في البدروم.
- عارفة، بس أنا مؤمنة بوجود السحر ومؤمنة بالخرافات..ببعد عن القطط السودا ومابمشيش تحت السلالم..عارفة إن الخرافات خرافات ومافيش حاجة هاتحصل لي لو ما تشائمتش، بس ليه نجرب القدر؟ بعد كل الي إنت عملته مالكش عين ترفض لي أي طلب.
- خالص..لو عايزة تبيعيني في سوق العبيد مش هاعترض. 
إتكورت بريا على الأارض ونامت على رجلي.. فضلنا كده ساعات..
بعدها إتصلت بريا بكاسي، معرفش قالوا إيه، بس تاني يوم كاسي أطرت على شجاعة بريا واعتذرت لي عن الي حصل في السفرية.
بريا كانت إلهة، وكات خسارة في العالم ده.
___________________________

بكى روي أما عرف إني ماشي خلاص. إترجاني افضل وما اسيبهوش مع كاسي. قال لي إني الوحيد الي سمعه وصدقه. إتستغربت من نفسي إني كنت بسمع منه ومابحاولش أغير من تفكيره، كأني قاعد مع واحد صاحبي مش مريض عقلي. قلت له:
- ماتخافش، كاسي مش هاتعالجك تاني، انا نسقت مع صديقي الدكتور جون ميريك هو الي هايشتغل بدالي هنا. هو شاطر جدا وانا بثق فيه.
- وعد؟ أصل مش هاينفع أشوفها تاني..هاموت نفسي!
- انا قعدت مع الدكاترة هنا وكلهم متفقين ان ماينفعش طبيب يعالجك وهو بيثير فيك كل الرعب ده لأي سبب يعني. دكتور جون ميريك هايتابع معاك بعد موسم الأجازات..ثق فيا.
- في مكان زي ده، الثقة بتكون صعبة أوي.
- ممكن تثق فيا أنا، مش هاكذب عليك.
-هاتيجي تتكلم معايا تاني؟
- أول ما يبقا عندي وقت هاجي مع دكتور جون.
- ودكتورة آلن؟ هاتيجي؟
- بصراحة ما أقدرش اضمن إنها ماتجيش خالص من ورانا، بس هي مش هاتكون الدكتور الرسمية بتاعتك.
جون كان واقف بره الأوضة مستنيني أنادي عليه علشان يقابل روي. أما دخل جون أبتسم ومد إيده لوري وقال:
- سمعت عنك كتير يا روي، وهاكون سعيد بمساعدتك.
- شكرا.
- حسب كلام دكتور إيريك، فإنت واعي ومتعاون أكتر بشكل أكبر من المكتوب في ملفك. مش هاتقل عليك النهاردة، انا بس حبيت أشوفك مع دكتور إريك قبل ما يمشي.
برغم إبتسامة جون وطريقته المتعاطفة، لكن روي كان مزاجه سيء. غنبهرت بمهارة جون واسئلته المحددة وقدرته على كسر مقاومة روي للكلام من أول مرة. 
إتطمنت على روي معاه، كانت دي آخر مقابلة شغل قبل الكريسماس وتبديل أماكن التدريب. كنت مرتاح إني مش هاشتغل مع دكتورة آلن تاني.
في رحلة عودتنا لبيوتنا المرة دي، حسيت قد إيه إتعودت على آندي وجون، كانوا أصدقاء بجد وندمت إني ما قربتش منهم كفاية الست شهور الي فاتوا.
قال لي جون:
- الصراحة مش متشوق خالص للشغل مع أمنا الغولة.
- دي ست مختلة يا عمنا.
قالت أندي:
- سمعتها سابقاها. مش فاهمة ليه مشغلينها لحد دلوقتي، من الي سمعته عنها المفروض كانت اترفدت من سنين.
قال جون:
- سايبينها يخوفوا بيها العيال الصغيرة!
ردت آندي:
- هو إحنا ناقصين خوف. إريك، إيه الي حصل بينكم؟ الإشاعات مالية الدنيا، أيام تبقوا لازقين لبعض، وأيام مافيش حتى سلام. بيقولوا إنها ساحرالك.
- بتجيبوا الكلام ده منين؟ مافيش عندنا في قسم الحالات المزمنة اللت والعجن ده.
- أولا أنا ست، والستات بترغي وتعرف تجيب قرار كل حاجة. الست دي مجنونة.
سالها جون:
- يعني إيه مجنونة؟ عندها إضطرابات ذهانية  مثلا؟ إحنا دكاترة ومش هاسيبك تقولي أي مصطلحات مش دقيقة كده..حددي.
قلت لهم وانا بحاول أخفف من وطء الإشاعات على نفسي:
- بيقولوا إنها ساحرة، وبتخوف المرضى، وبتخوف المتدربين أصلا قطعت خلفي!
ضحك جون وقال:
- وقعت وما حدش سمى عليا! انا مؤمن بالحاجات دي وشكلي هاتلبش! 
قالت آندي في عقلانية:
- بجد بقا، في حاجات تانية خالص قلقاني..انا كنت بدعبس ورا الحوادث الي إنت حكيتلي عنها يا إريك، وعرفت إن باقي الأقسام مافيهاش نسبة الوفيات دي خالص. عارف أغرب حاجة غيه؟ مافيش ولا جريدة جابت سيرة عن الحالات الي انتحرت او اتقتلت هنا! ومالاقيتش أي حاجة عن تاريخ سيرسي في أي حتة. الحاجة الوحيدة الي لقيتها كانت في مدونة بتكتب فيها مريضة سابقة هنا..المدونة إسمها ( تاريخ من الجنون)..طبعتلك صفحة منها أهي.
كل يوم كانت بتنزل قصة بتقول إن شبح ممرضة إسمها جين كانت بتحكيهالها وهي في المستشفى. طبعا المدونة دي مش مصدر معلومات يُعتمد عليه بس كاتبة حوالي 20 حادث غريب حصل وهي في سيرسي كمان مش من حكايات جين دي. كاتبة كمان إن العاملين في قسم الحالات المزمنة محبوسين هنا بسلطة من قوى خارقة في المكان. طبعا واضح إنها بتعاني من مشاكل كتير في عقلها، بس ذكرت أكتر من تلاتين مرة في كتاباتها إن دكتورة كاسندرا آلن مسئولة عن كل الحوادث في المستشفى! وبتقول كمان إنها كانت بتمارس الجنس مع المرضى في بدروم وبتعمل طقوس سحرية غريبة. الجريام الي بتحصل في سيرسي بيتغطى عليها وماحدش بيكتب عنها في اي مصادر رسمية.
سألتها:
- وليه السلطات تتستر على الجرايم دي؟
- معرفش. ممكن كاسي بتقفل على المواضيع قبل ما دكتور بابكوك تعرف بيهم. ممكن كاسي تعرف ناس في الشرطة؟ المهم إن في بعض الحوادث المريبة في قسم الحالات المزمنة محتاجة تحريات.
المهم يا إريك، اكتبلي كل حاجة عن الحوادث الي حصلت خلال الست شهور الي كنت فيهم في القسم، وانا وجون هانعمل كده الست شهور الجايين، وفي نهاية تدريبنا هانسلم تقاريرنا دي لدكتورة بابكوك وتقرر هي إيه المفروض يتعمل. هي ست جد وموثوق في نزاهتها.
قال جون بعد دقايق من الصمت:
- كنوا هاتنسوني! إنتوا معزومين على الشعا عندي النهاردة، خطيبتي مهدداني لو ماعزمتكوش هاتعزم هي زمايلها في الشغل وبصراحة ما يتعاشروش، هاتوا بقا زوجاتكم وعيالكم وأي حد تعرفوه علشان تنقذوا أخوكوا.
ضحكنا وأتكلمن في تفاهات لباقي الطريق،مع إختفاء المستنقعات ورانا، حسيت أخيرا إني روّحت بيتي..

Comments

Popular posts from this blog

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي

الحلقة ‏العاشرة- ‏في ‏مكان ‏مظلم

المنزل ‏في ‏شارع ‏ميبل- ‏ستيفن ‏كينج