الحلقة ‏١١- ‏سيرسي

سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة 11

وقفت أبص للحيطان، كان عليها علامات وكتابات بقلم أحمر، كنت خايفة اقراها..كنت خايف ابعد عن كاسي، فمشيت ورا ضوء كشافها بترعش.
في نهاية الممر، كان في منظر عجيب جدا..
باب ضخم مقفول ومرسوم عليه مثلث باللون الأحمر. جوه المثلث كان في نجمة خماسية..
فتحت كاسي الباب، وإتفتح علينا مشهد كأنه من فيلم وثائقي رخيص عن السحر والشعوذة في العصر الحديث. كان في شموع في أركان الأوضة الواسعة، وكان في مذبح ورموز على الأرض مافهمتش منها حاجة. لكن المنظر ضحكني، فإبتسمت كاسي وقالت:
- كنت فاكرة إن الحاجات دي هاتعجبك.
- حد من المرضى زمان عمل الحاجات دي؟
- لا.
- واحد من الفريق الطبي دماغه لسعت وعملها وهاتحكيلي قصته؟
- أيوه..عايز تسمع القصة كلها؟
- بحب أسمع قصصك دايما.
قعدت على كرسي قديم في ركن، وبدأت كاسي تحكي:
- ده قلب سيرسي، ده معبد لكل الي بيعرفها..المكان ده هو الي الواقع بيموت فيه وبتتولد فيه الآلهة القديمة..ده المكان الي بدأ فيه الثقب في حجاب الواقع، والي بييجوا هنا ما بيموتوش أبدا.
- إنت مجنونة يا كاسي.
بصيت حواليا تاني، الشموع كانت متولعة قريب، وشزفت الكتابة الي على المذبح في ضوئها، وضحكت تاني. انا كنت أحمق وكاسي هي الوحيدة الي تقدر تعمل مشهد زي ده وتقنعني إنه بجد.
- إنتي الي عملتي ده؟كاسي إنت إتجننتي مافيش عندي تفسير تاني.
- إضحك إضحك..أنا برضو ضحكت زمان...زمان ايام ما كان عندي عيلة، بس كلهم راحوا دلوقتي..المكان ده هو عيلتي الوحيدة دلوقتي.
- كاسي، بجد إنت محتاجة مساعدة طبية..لازم أبلغ أي حد.
- مش هايسيبوك تعمل ده..فاهم؟ المكان ده هو السحر نفسه.
- سحر؟ لغاية دلوقتي يا كاسي أنا بحترمك برغم الكلام الفاضي الي إنت مؤمنة به..ممكن أتجاهل كل غرابتك لأنك دكتور ممتازة، بتقدري توصلي لمكان جوه المرضى محدش بيقدر يقرب له..كنت جادة وقوية في شغلك..إنت شخصية أسطورية هنا في سيرسي والكل بيحلف بك وبيقدرك رغم كل شيء. خليني أكون صريح معاكي، انا قضيت وقت طويل بفكر فيكي كأنثى، وجيت هنا أملا مني إن في..إنت فاهمة كنت عايز إيه..بس دلوقيت كل حاجة اختلفت خالص..انت مريضة.
كنت حاسس بالغضب بيزيد جوايا، مش بس كنت غضبان منها، كنت غضبان من نفسي إني جيت وراها زي الأهبل كده. غضبان من إن شهوتي جرتني لقبو مجهور مليان رموز رسمتها ست مجنونة. كنت غضبان علشان كل حاجة باظت في حياتي..من أول التضحيات الي عملتها علشان زوجة ماشي بدماغها وبتاخد قرارات من نفسها، لحد مستقبلي الي ضاع بكل المقاييس. 
بس اغلب الغضب كا من كاسي من إيمانها إنها قوى خارق من قوى سيرسي. حبيتها واحترمتها بس طلعت زيها زي أي مجنون هنا، زيها زي قارئة كف في ميدان في نيواورليانز.
قالت لي:
- انت ما بتحترمنيش علشان بؤمن بشيء خارج نطاق العالم الملموس، علشان بؤمن بقوى أعلى مني؟ يبقا لازم تكره 90% من البشر..كل واحد فيهم بيؤمن بقوى ورا كل قوانا..الرب، الله، بوذا..
- ده مش إيمان يا كاسي! ده..ده..إيه؟! إنت ليه جبتيني هنا؟ عايزة مني إيه؟! إنت وهمتيني إنك حاسة بمشاعر ناحيتي ودلوقتي إيه؟ عايزاني انضم لنادي سحرة مثلا؟ انا ماعنديش اي تفسير للي كان بيننا ولا فاهم أي حاجة..كل شيء بيننا إنتهى أيا كان هو إيه..وطبعا مش هاجي انا ومراتي بيتك ده أبدا.

مشيت ناحية الباب وإكتشفت إن معاييش مصدر إضاءة أشوف بيه الطرق لبره. كاسي كانت قاعدة على الأارض وضهرها للحيطة ومرتاحة وهادية كأنها في مكتبها.
فجأة قامت ورمت حاجة على الأأرض، كان برطمان في حاجة مقدرتش اميزها في الضوء الخافت. البرطمان إتكسر وكاسي غمغمت بشيء. فكت شعرها وبصيتلي. ابتسمت واستمرت في الهمس وهي ماشية ناحيتي كأنها قطة بتقرب من فريسة.
قلت لها:
- إنت محتاجة مساعدة يا كاسي..محتاجة علاج.
- مش زي ما إنت فاكر لا..الي بعمله هنا مش سحر ولا عبادة شيطان.. في هنا قوى عظيمة، والقوى دي عايزاك..إختارتك..
- كفاية كلام فاضي..إنت جبتيني هنا ليه؟ فاكراني هانضم للخرافات دي؟ مالك في إيه؟
- هي اختارتك يا إيريك..
- إزاي حد متعلم زيك يبقا بالجنون وإنعدام المنطق ده؟
- العجلة لفت يا إيريك..أنت مش أول واحد ولا هاتكون الأخير. إنت واحد منا دلوقتي.
- بتقولي إيه إنت؟!
كانت بتخلع ملابسها واحدة واحدة وهي بتقرب مني..كمية مشاعر متناقضة ملتني..قرف، كره، خوف، إنتباه..شهوة..
جسمها الضئيل كأنه منحوت من العاج الأبيض، مكانش في أي دهون على جسمها، ضلوعها كانت محفورة بإتقان شديد، وشعرها كأنه محيط ذهبي بيرمي أمواجه على رمل أبيض.
كانت شيء من ما وراء العقل..
همست في ودني:
- شايف، كل حتة عاقلة في جسمك بتقولك إهرب، بس للأسف إنت مجرد حيوان حبيس..علشان كده إنت هتنام معايا في المكان الي إنت بتحتقره ده ومراتك الحامل بتعيط لوحدها في البيت.
عضت ودني وبصقت الدم على الأرض، زقيتها لورا وقلت لها:
- إنت بتعملي كده ليه؟!
سؤالي كان جاف وخنقني، كرهتها وكرهت نفسي..كل واحدة خنت بريا معاها كانت مجهولة معرفهاش ولا بيننا اي صلة، بس كاسي كانت رئيستي..كاسي كانت مجنونة، كاسي كانت كل حاجة بتقزز منها وكل حاجة بشتهيها.
كانت واقعة على الأرض، إيديها كانت بتتسلق رجليا، ماكونتش قادر اتكلم ولا اتنفس..بس كنت حاسس بكل حاجة.
حاسس بنفسها أما قامت على وشي وصدري، وحاسس بملمس جسمها بين إيديا...
ما أخدناش أكتر من دقايق..ماكونتش مستوعب إن في حاجة حصلت بيننا أصلا.
همست في ودني:
- خلاص..
شتمتها، قالت لي إنها مسخ زيي بالضبط..
- أنا مش مسخ!
- إنت لسه مصدق نفسك؟ بعد كل الي جرحتهم قادر تقول إنك مش مسخ؟
زقيتها بعيد عني وبدأت البس هدومي. دماغي كانت بتدق ومش قادر اقف على رجليا..كل عضمة في جسمي بتوجعني. غمضت عينيها ومسكت دماغي. قال لي وهي بتولع سيجارة:
- روح لمراتك حبيبتك.
- وصيليني، الكشاف معاكي.
- إديني فرصة أستمتع بالهدوء بعد العاصفة.
- كم رجل جبتيه هنا وعملتي معاه كده؟
- إنت بس.
- يا بختي.
- في مؤتمر في نيو أورليانز الأسبوع الجاي، تعالى معايا.
- ماينفعش نعمل كده.
- ليه إيه المشكلة؟ إنت مش غاضب مني، خليك صريح..لو كان في حاجة نفسك فيها دلوقتي ممكن تكون إيه؟

فكرت، تخيلت مراتي وإبني بيبعدوا، كنت عايز أبقا حر مرة تانية..متحرر من كل شيء. كنت مشتاق لمكان هادي بدون بريا ولا الطفل..عايز اتسلق الجبال ومش عايزها ورايا مقطوعة النَفَس. كنت عايز كاسي بعضامها الباردة وقوتها وبشرتها الشاحبة. كل ده جه في بالي مرة واحدة وأدركت إني من زمان عايز أتخلص من بريا، ماكونتش عايز أبقا أب ولا زوج..عايز أتحررمن كل الي قيدني بيه الجواز.
بعدت الأفكار دي، كرهتهم ولمت نفسي عليهم. قلت لها:
- انا عايز ابقا سعيد مع مراتي.
- بتضحك على مين؟ إنت ما نمتش مع الطاووس في نيورليانز علشان بتحب مراتك.
- عرفتي منين موضوع الطاووس؟!
- سيرسي قالت لي.
- بطلي بقا..لو روحت المؤتمر معاكي هاتبعدي عني وتسيبيني في حالي؟
- طبعا.
كات متكومة على الأرض، وشها مزرق مكان ما ضربتها. صعبت عليا، ممكن تكون مجرد ست فقدت عيلتها ويحاتها علشان بسبب شغلها. عقلها أضطرب وعملت كل الأجواء دي علشان تبرر لنفسها استدراجها للرجالة واحتياجها الجنسي لهم.
قلت لها وان ببص على خدها المزرق:
- انا آسف.
- أنا بحب كده!
- هاروح معاكي نيو اورليانز بس مش هاينفع أجيلك أنا ومراتي بيتك، ولا هاينفع يحصل الي حصل بيننا ده تاني.
- ليه؟
- الي إنت عملتيه ده والطريقة نفسها ضايقتني..كل ده غلط..غلط جدا.
________________________
افترقنا بدون كلام، رحت لعربيتي لقيت بنت قاعدة جنب الطاووس في ساحة العربيات. كانت لابسة أبيض وابتسمت لي. حسيت إنها مألوفة فشاورت لها وشاورت لي. ماوقفتش أكلمها بس ماقدرتش انسى شكلها، بشرتها كانت شاحبة لدرجة إنها كانت بتشع في ضوء القمر، عينيها كانت سودا وبتلمع بلمعان النجوم في السما.
سوقت للبيت لوحدي، ولأول مرة افتقدر رغي آندي ولطف جون. ركنت قدام البيت وفضلت في العربية فترة طويلة. ماكانش عندي طاقة أدخل وافسر لبريا سبب تأخيري ولا كان عندي طاقة أكذب.
بعد شوية شوفت بريا خارجة من البيت حافية وبتخبط على باب عربيتي برفق.
فتحت الباب ودفنت وشي في بطنها. طبطبت عليا..وانا رفعت وشي شوفت سواد تحت عينيها، كانت مرهقة وخاسة. مسكت إيديا ودخلتني البيت. الدنيا كانت مقلوبة ومكركبة والأطباق مش نضيفة، وكان في كيس شيبسي كبير مفتوح على الترابيزة.
قعدنا على الكنبة شوية، كنت عارف إنها كانت بتعيط بس ماجاش في بالي اي حاجة تتقال. بريا بصت لودني وسألتني:
- من غيه العضة دي؟
- مريض هاجمني النهاردة. علشان كده إتأخرت. انا مخضوض شوية بس. المجنون نط عليا من وسط الأوضة وخربشني في جسمي كله.
- يا ساتر!
بدأت بريا تعيط، كنت مستغرب رد فعلها، قالت لي:
- أنا آسفة، إنت كنت في موقف زي ده وانا مخي كان عمال يوديني حتت تانية خالص تخليني اكرهك بدل ما أقلق على غيابك..دايما مخي بيصورلي أسوأ حاجة.
- أوعي تتأسفي، انا ما أستاهلش كل ده. إنت حامل ومشيله نفسك فوق طاقتك..أوعي تتأسفي لي تاني.
- لا..أنا السبب في كل ده..إنت ماكونتش عايز أطفال وانا دبستك. إنت كنت بتبعد وماكونتش فاهمة مالك، وفكرت إن ممكن طفل يرجعك ليا.
- بصي انا عندي مؤتمر الأسبوع الجاي، بعده اوعدك هابقا فايق ومركز معاكي وهايبقا عندي اجازة طويلة في الكريسماس نسافر فيها. ويوم الجمعة هانروح البحر عن اخويا..ايه رأيك؟
- مش كنا معزومين الجمعة عن رئيستك في الشغل؟
- تتحرق بقا، انت أهم عندي.
حضنتني في فرح وقالت لي:
- معلش استحملني، إنت عارف هرمونات الحمل واللخبطة دي. ده أنا حتى حاسة إني بتجنن..تفتكر من الهرمونات برضو صح؟
- مش فاهم؟
- كنت برجع في الحمام، وغسلت وشي ولسه بفتح عينيا شوفت حاجة بشعة ورايا...عارفة إني ممكن اكون دايخة أو كده، بس اترعبت جدا واتصلت بماما من الخوف.
- شوفتي إيه؟
- بص هي حاجة كأنها واحدة ست، بس كانت متغطية كلها خنافس وحاجات ملزقة كده..غابلا قيء..انا مش قادرة اسيطر اصلا على موضوع القيء ده خسيت كتير.

أكيد صدفة..لازم تكون صدفة..ممكن اكون حكيتلها حلمي وفضلت الصورة في دماغها من ساعتها، وبسبب القيء ونقص التغذية هلوست بها.
- الدكتور قالك إيه على موضوع فقد الوزن؟
- قال لي أن فس ستات بيتعاني من بعض صعوبات أكتر من غيرهم.إداني ادوية تقلل الغثيان بس بتتعبني أوي وتخليني مش قادرة أتحرك.
- هاجي معاكي للدكتور المرة الجاية. ميعاده إمتى؟
- بكرة
- هاتصل بكاسي وأطلب منها أجازة بكرة.
قلت لكاسي إني عيان، كدبت وهي كانت عارفة إني بكدب. كان باين إنها مبسوطة إني أخدت أجازة وماسألتش أسئلة كتير. كلمت أندي وقلت لها إني من يوم الإثنين هاروح ,ارجع معاهم ومش هاتأخر تاني في الشغل لأن مراتي حامل. آنديفرحت وطلبت تكلم بريا وعرضت عليها تساعدها في أي حاجة من اي نوع.
كان فاضل حوالي إسبوعين واخلص من كاسي للأبد، وهاشتغل مع دكتور كليمينت وهابقا زوج وأب مثالي. هسافر مع كاسي زي ما هي عايزة واعمل الي عايزاه وبعدها مش عايز أشوف وشها تاني. الأحلام المزعجة هاتتوقف، والقلق  هايروح، وهاخد بريا ونشتري بيت في فولي جنب عيادتي.
كل ده هايعدي..وهافتكره وأضحك..
__________________
نمت على بطن بريا، وصحيت نص الليل لقيت بريا في الحمام بترجع تاني، ورحت اجيبلها كوباية ميا ولقيت حاجة مفزعة..
مخلوق صغير في حجم القطة كان ماشي على ترابيزة المطبخ، كان بيترحك بسهولة كأنه في بيئته الطبيعية..
اما دققت عرفت إنه شيء من الزواحف، لكنه في نفس الوقت له طابع حَشري واضح! بص لي بيعينه الصفرا المشقوقة وغمز!

Comments

Popular posts from this blog

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي

الحلقة ‏العاشرة- ‏في ‏مكان ‏مظلم

المنزل ‏في ‏شارع ‏ميبل- ‏ستيفن ‏كينج