الحلقة ‏الرابعة-حصاد ‏الشيطان

حصاد الشيطان

( عن قضية الإستحواذ الشيطاني على المزارع موريس ثريو- قصة حقيقية)

الحلقة الرابعة 

 

العصر، رجع ماكسيم وعلى وشه إبتسامة سمجة وراح لموريس لي كان بيصلح باب الحظيرة.
- إنسى بقا موضوع الجيش...يا حيلتها..إنت مش هاتحروح في حتة.
إدى إبنه ورقة، حاول موريس يقراها بالعافية، بس فهم إنها ورقة بتفيد إنه غير لائق طبيا.
- بس..إزاي..أنا نجحت في الكشف الطبي!
موريس كان حاسس إنه إتضرب على راسه بمطرقة. فضل ماكسيم يشاوله في وشه بالورقة وهو بيقول:
- بس مش ده كلام الحكومة..في الورقة دي إنت غير لائق. قولتلك إنت هاتبقا فلاح، وهاتشتغل معايا لحد مايبقا سنك 21 سنة على الأاقل، ولو حاولت تهرب هاجيبك.. مفهوم؟
موريس إنسحق تماما، قام وراح أوضته وفضل يبكي، بكى لحد ما صوته راح.
نام موريس كمدا، وماصحيش إلا تاني يوم الصبح على نور الشباك ووالدته  بتقعد جنبه وتتطبطب عليه وتقول له:
- آسفة يا موريس، يارتني كنت أقدر أمنعه.
- إزاي يا ماما عمل كده؟ إزاي غير الشهادة الطبية وخلاني غير لائق؟
- إنت عارف إن بابا يعرف موظف في مكتب التجنيد، صاحبه من زمان..
كده بقا لازم موريس يستحمل التلات سنين الي فاضلين له مع أبوه، وكان لازم يستغلهم أحسن إستغلال. قدم موريس طلب إلتحاق بالحرس الوطني، على الأقل هايقدر يغيب تلات ليالي في الأسبوع عن أبوه. بعد ما حضر تلات إجتماعات، إبتدا ماكسيم يتذمر..
في أول ليلة للشغل، طلع موريس اليونيفورم بتاعه وإستنى صديقة جاك يمر عليه علشان يروحوا الحراسة سوا. طلعله مكسيم وقال له:
- موريس، عايزك تنضف الحظيرة النهاردة.
وشرب بقين من إزازة البيرة وهو بيبتسم في سخف.
- بس يا بابا أنا عندي شغل، مش أنا قولتلك إمبارح؟
قام ماكسيم من مكانه وقرب من موريس لحد ما شم ريحة أنفاسه الخانقة قال:
- روح إعمل الي قولت عليه.
- بس كده هايعملولي مشكلة في الشغل، ماينفعش أفوت حراسة من غير سبب قوي...
- بص يا إبن الحرام إنت، انا ماكونتش موافق على الشغل ده، بس ركبت دماغك وإشتغلت. دلوقتي قول لي لأ تاني وهاسويك بالأرض.
نفس إحساس الإحباط الي صاحب موريس طول عمره رجع تاني، رجع اليونيفورم الجديد للدولاب، ولبس هدوم الشغل وراح الحظيرة، وكان ده آخر يوم يشوف فيه يونيفورم الحراسة لأن ماكسيم بقا يتحجج بأي شغل علشان موريس ما ينزلش. تم إستدعاء موريس فراح يقابل رئيسه وقال له:
- مش هاقدر أكمل في الحراسة يا فندم.
- يعني إيه يابني؟ مش هاينفع تسيب الحراسة كده من غير سبب.
- غصب عني يا فندم، والدي عايزني اساعده في المزرعة ومش هاقدر أخلف أوامره..آسف جدا.
- أنا هاكمله..
موريس هز كتافه وهو عارف إن مافيش أمل، بس كابتن لابونت كان مصمم، فخليه يجرب.
تاني يوم راح لابونت للمزرعة شافه موريس قاعد مع ماكسيم جنب الحظيرة، دقايق ورجع لابونت ركب عربيته ومشي.
ماكسيم بلغ الأاخبار لإبنه على العشا وقال وهو بياكل:
- انا إتكلمت مع الكابتن بتاعك النهاردة، خلاص مابقتش تبع الحراسة.
موريس ما إتفاجئش المرة دي، ومابقاش في حاجة أبوه بيعملها بتفاجئه.
يوم السبت التالي كان لسه حاسس بالحزن وهو سايق الجرار وراجع بيه المزرعة من مشوار لبيع الحطب. كان مضطر يتحرك بالجرار طول الوقت لأن ماكسيم مارضيش يبسبه يطلع رخصة سواقه ويسوق العربية النص نقل. نزل عند محل علشان يشتري شوكولاتة لوالدته، كانت بتحبها أوي وعمر ما ماكسيم إشترالها منها أبدا. بالرغم من شغل موريس مع أبوه إلا إن الأخير مكانش بيدفعله أي فلوس وكان بيقول له (مش كفاية بأكلك؟)، فأما بيكون معاه فكة أو باقي حساب بسيط بيشيله علشان يجيب لوالدته حاجة تفرحها.
وهو خارج من محل الحلويات، قابل روزي روبيتالي، بنت كان يعرفها ايام المدرسة وكانت دايما بتعامله كويس.
روزي كانت قصيرة وبشرتها بيضا جدا، وشعرها بني وعينيها خضرا ومسحوبة. كان طول عمره نفسه يكلمها ويقرب منها، بس كان بيتكسف جدا. أما شافها بص في الأرض ومشي ناحية الجرار، لكنها نادت عليه:
- موريس! مش إنت موريس برضو؟
لف وشه لها وإبتسم، فقربت منه بسرعة، فقال لها:
- أهلا روزي إزيك؟
- مبسوطة أوي إني شوفتك، إختفيت فين؟
- أضطيت أسيبالمدرسة علشان أشتغل مع والدي.
- هو لسه رخم برضو؟
ماكسيم كان معروف بسمعة سيئة في البلد كلها، والكل كان بيتفادى يتعامل معاه.
- أرخم..مشغلني معاه كأني عبد.
- معلش..لازم تمشي من المزرعة وتشتغل عند اي حد بقا بعيد.
- ياريت، بس هو مش هايسبني أمشي غير أما يبقا عندي 21 سنة.
- حاسة بك يا موريس، أهلي برضو دماغهم ناشفة.. بس أخيرا إقتنعوا إني كبرت وممكن أصاحب يعني..بس لو حد يطلب مني أخرج معاه..
ممكن موريس يكون بطيء الفهم، بس مكانش غبي وفهم التلميح فقال:
- ممكن..يعني لو نفع نخرج نروح السينما مثلا في يوم..
روزي وشها نور وكانت مبسوطة إن تلميحها إتفهم. من زمان وهو معجبة بموريس لكنها كانت عارفة ظروفه وخايفة وجودها يعمل له مشكلة. قالت :
- إيه رأيك النهاردة نروح السينما؟ في فيلم حلو أوي لجون واين..هايعجبك.
موريس مكانش مصدق ودانه، رد عليها بسرعة:
- طبعا موافق! هاعدي عليكي الساعة 7!
موريس كان هايقع وهو راجع الجرار بسرعة وعينيه على روزي، ومجرد ما وصل البيت كان مزاجه في السما وحس إن الدنيا اخيرا بدأت تضحك له. طلع أوضته بعد ما سلم على أمه، ومد إيده جوه الدرج للآخر، المكان الي بيحتفظ بيه بالفلوس الي بيقدر يحوشها، لكنه مالاقاهاش! مكانش فيه غير شوية فكة، 73 سنت بس. تذكرة السينما 50 سنت للشخص الواحد، وهايحتاج كمان دولار علشان يعزم روزي على بيبسي بعد السينما. كده مافيش حل غير إنه يطلب من والدته.
نزل جري وقال لها في حماس:
- ماما، ماما.. أنا خارج مع روزي..بنت أعرفها من أيام المدرسة. هانروح السينما النهاردة بس معاييش فلوس تكفي. معاكيش دولارين ولا حاجة؟ لو سمحتي؟
إيملدا كانت مبسوطة جدا بالي سمعته، الولد ما ضحكش من سنين، وأهي حاجة تخليه يحس إنه عايش زي باقي الي في سنه. دخلت المطبخ وطلعت البرطمان الي كانت بتحوش فيه ومخبياه بعيد. كان آخر مرة عدت الي فيه كانوا 5 دولار، بس دلوقتي لقته فاضي! شكل ماكسيم لقاه وإشترى بيه دستة علب البيرة الي جابها الصبح.
حبست دموعها وهي حاسة بقلة الحيلة، كانت حتى شايلة فلوس علشان تشتري قماش لفستان جديد لها، ومكانش عندها مانع تدي موريس كل الفلوس علشان ينبسط النهاردة.
طلعت إيملدا أوضتها ودورت في جيوب ماكسيم ولاقيت دولار واحد ووصل بمشتريات بخمسة دولار.  أخدت الدولار وأديته لموريس، فهي مش هاتقدر تقعد تتفرج على إبنها بيدبل قدامها تاني.
- موريس، مش معايا غير دولار، كده معاك تمن التذكرتين..فكر كده مافيش حد تستلف منه وتجيبلها حاجة تشربها بعد العرض؟
ضحك موريس وشطر أمه واخد منها الفلوس وحضنها. فكر إنه ممكن يستلف دولار كمان من جاك صاحبه، لو ماقدرش هايضطر يشرح لروزي الظروف وأكيد هاتقدر وتفهم.
فضل موريس مزاجه كويس، لحد ما زل من أوضته وهو بيصفر، ولقا أبوه قاعد في الصالة بينضف بندقية الصيد بتاعته. أما سمعه ماكسيم صرخ فيه:
- ما تبطل الصفارة دي. الواحد مايعرفش يعقد في هدوء شوية؟
- آسف يا بابا، أنا مش هاضايقك الليلة..أنا..أنا خارج.. مع..بنت..روزي..
- يا سلام؟
بدأ موريس يترعب كرد فعل مبكر لأي كلام هايقوله ماكسيم دلوقتي.
- ممكن أخرج؟ هاروح السينما مع روزي، كانت زميلتي في المدرسة..ينفع؟
- وهاتروح إزاي؟
- ما هو كنت هاستأذنك لو ينفع آخد العربية النص نقل، أنا بسوق كويس جدا دلوقتي ماتقلقش.
- بس إنت ما معاكش رخصة سواقة. موريس، مش هاينفع تاخد العربية.
- بابا لو سمحت..أنا معجب بالبنت دي فعلا وأنا كده كده بسوق العربية وأنقل بيها المحاصيل فإيه الفرق؟
- الفرق إني بحتاج إنك تسوقها للشغل مش للمرقعة... روح السينما مشي وغور من وشي دلوقتي.
فكر موريس إنه أبوه وغد فعلا، وإنه بيكرهه بجد. بدأ يتسائل هو ليه عايش أصلا وهو مالوش حق حتى يحلم بحاجة .
بدأ يفكر هايعمل إيه، مش هاينفع يطلب من روزي تمشي معاه كل المسافة دي لحد المدينة. كده لازم يلغي الميعاد، بس كده برضو ممكن يجرح مشاعرها. كلم جاك صاحبه وسأله لو ممكن يودي روزي السينما.
لاحقا، عرف موريس إن جاك وروزي حبوا بعض وبدؤوا يخرجوا سوا، بعدها  بكم سنة إتجوزوا.
قرر موريس إنه عمره ما هايواعد أي بنت قبل ما يخرج من تحت سلطة أبوه. إيه الفايدة من إنه يحرج نفسه تاني مع واحدة تانية بسببه؟ لازم يعيش الكم السنة الي فاضلين كأنه في سجن وخلاص.
_________________ 
مر الزمن ببطء، لكنه مر..
في عيد ميلاد موريس ال21، جمع موريس هدومه وحاجاته في شنط وقت ما كان ماكسيم ثريو في الحقل، فمكانش موريس شايل هم إنه يشوفه أو يضطر يبص في وشه تاني.
لبس موريس هدومه بسرعة، وبص بصة أخيرة على أوضته، ورجعتله الذكريات السيئة كلها مرة واحدة. إتفكر عشرات المرات الي إتجلد فيها بحزام أبوه، وبدأ جسمه يوجعه بس من إستعادة الذكرى.
نزل موريس السلم ببطء وهو بيحاول يركز على الذكريات الحلوة بس مع أمه وأخواته.
في المطبخ كانت إيملدا بتحضرله الفطار، وأخواته قاعدين حوالين الترابيزة مستنيينه ينزل.
أول ما دخل المطبخ، بكت إيملدا. أول مرة تلاحظ إن إبنها كبر أوي كده رغم كونه لسه ضئيل الحجم، بس ملامحه كانت أكبر بكتير. فجأة موريس بقا كبير وهايبعد عنها..لو بس مكانش ماكسيم بيقسا عليه كده، مكانش هايضطر يبعد.
لسبب ما إفتكرت يوم العاصفة الثلجية الي رجع فيها موريس البيت بمعجزة.
موريس حضنها وقالها:
- ماما، ماتقلقيش هابقا كويس. انا رايح كونيكتيكت، ليا واحد صاحبي هناك بيشتغل في ورشة فضة وقال لي إنه هايشغلني معاه.
سلم موريس على أخواته وحضنهم، وقالهم وعينيه مدمعة:
- خلوا بالكم من نفسك..أورفوار...
خرج من باب المزرعة للمرة الأخيرة وبص من لكرسي أبوه الفاضي وهمس:
- أقسم إني بكرهك، بلعنك! لو إن الشيطان يطعنك في قلبك زي ما طعنت روحي عمري..
بصت إيملدا في الأرض وهزت راسها في أسف.
جاك كان مستني بره في عربيته، موريس حط شنطه في العربية وركب جنب صديقه. وبركن عينه المدمعة شاف أبوه شغال في الحقل، وماكلفش خاطرة يودع إبنه.
- في داهية! جهنم مكانك مش الأرض..
قالها موريس وجاك بيبعد بالعربية عن مزرعة ماكسيم ثريو.
____________________________

تابعوا الحلقة الخامسة بكرة إن شاء الله، نتمنى الحلقات تعجبكم ومجرد اللايك أو الشير بيشجعني جدا أكمل. 
شكرا لثقتكم في المحتوى الي بقدمه ومنورين دايما.
#حصاد_الشيطان
#شيرين_هنائي

Comments

Popular posts from this blog

عشرة ‏أيام ‏في ‏مصحة ‏عقلية ‏- ‏تأليف ‏نيلي ‏بلاي (كامل)‏

إهداء- ‏ستيفين ‏كينج- ‏ترحمة: ‏شيرين ‏هنائي

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي