الحلقة الثانية- حصاد الشيطان
حصاد الشيطان
( عن قضية الإستحواذ الشيطاني على المزارع موريس ثريو- قصة حقيقية)
الحلقة الثانية
على الطرف الآخر من قرية وارين، كان الأب هومر بوير قاعد في مسكن القساوسة بيفطر سندوتش تونة وكوباية لبن. الأب بوير كان مسئول عن كنيسة سانت بول في القرية لمدة خمس سنين، وقرب يوصل سن المعاش. كان مجهز كارافان صغير متنقل وموقفه في ساحة السيارات ومستني اليوم الي ينتقل للعيش فيه.
أما رن جرس التليفون، بص للسندوتش وسرح شوية وحس إحساس قوي إن المكالمة دي لها علاقة ب(فرينشي) ثريو، وعلى عكس رئيس الشرطة، فالأب بوير كام مؤمن إن مشكلة ثريو حقيقة ومش من نسج خياله.
الحقيقة إنه راح لبيت ثريو أكتر من مرة وبارك البيت، وشاف خلال الزيارات دي ما يكفي إنه يتأكد إن الي بيحصل أكبر بكتير من إمكانياته وقدرته.
مرة كان في كاهن تم إستدعاؤه لرؤية شخص كان بيدعي إنه ممسوس، الشخص ده هاجم الكاهن تحت الإستحواذ وللأسف فشلت كل المحاولات الي تمت لإنقاذ الكاهن وإتوفى عن سن 55 سنة. يمكن ده السبب الي خلا الأب بوير يتصل من إسبوع بإتنين من علماء الشياطين علشان ييجوا يشوفوا إيه الي بيحصل مع موريس ثريو. الأفضل نعرف بنتعامل مع إيه أحسن ما نخسر حياتنا.
أما التليفون رن إتفكر إن أحد الزوجين – إد ولورين وران- هو المتصل، وكانوا وعدوه إنهم هاييجوا القرية آخر الإسبوع لإستكمال التحقيق قي قضية المزارع الممسوس.
لكن الي على الخط كان شون ليبوف، حكى للأب الي شافه النهاردة عن ثريو، فإتنهد الأب وقال:
- مافيش حاجة تقدر تعملها، الموضوع أكبر منك.. الموضوع أكبر مننا إحنا الإثنين. بس في ناس تخصصة إتصلت بيهم وأتمنى يقدروا يساعدوا. هم جم كذا مرة للقرية وشافوا موريس، وقالوا إنهم هاييجوا تاني.
- فعلا؟
-هاييجوا تاني قريب، هم بس كانوا بيبحثوا الأدلة وبيشوفوا لو موريس هايحتاج جلسة طرد شياطين. عموما هاتصل بهم تاني وأشوف لو يقدروا ييجوا بليل. مش عارف هانقدر نستنى أكتر من كده ولا إيه.
رد ليبوف وهو لسه مش قادر يجمع أفكاره:
- تمام..ماهو لازم حد يعمل حاجة..وبسرعة..
بعد ما قفل السماعة، فضل الأب بوير يبص من شباك المسكن لدقايق، بعدها طلع رقم الزوجين وارن من دفتر تليفونه وإتصل. فضل باصص للصليب المتعلق على الحيطة وهمس:
- إحنا محتاجين مساعدتك يارب..
______
الخريف في ولاية ماين..
الأشجار في الخريف بتتحول تدريجيا لمهرجان ألوان..أوراقها بتتغير من الأخضر لألف لون تاني..أحمر، برتقالي، أصفر، ذهبي، بني..وأخيرا بتقع كل الأوراق دي على الأرض.
موريس ثريو – الطفل الي عنده 10 سنين – كان ماشي فوق الأأوراق الجافة المتجمعة على الرصيف في طريق سانت جون وكان في طريقه من المدرسة للبيت.
خدود موريس كانت جافة ومشققه، وأنفه سايلة من البرد. كان حجمه صغير بالنسبة لسنه، بس جسمه كان كله عضلات. أما تبص في وشه تحسه أكبر من سنه. يمكن علشان زوايا فكه الحادة، أو علشان عينيه الحزينة.
رقبته وكتافه كانوا صلبين ومتقسمين من كتر الشغل اليدوي في حقول البطاطس وفي الحظيرة من ساعة ما وعي على الدنيا.
كان دايما بيلبس نفس البنطلون الأزرق الجينز والقميص اللبني، نفس الطقم المُرقَّع من عند الكوعين والركبتين كل يوم.
الفقر كان أسلوب الحياة الوحيد الموجود عند الفلاحين في فورت كينت سنة 1946. القرية كانت بتقع على الحدود الشمالية بين أمريكا وكندا، بالتالي كان أغلب سكانها فرنسيين كنديين، وكانت مشهورة بزراعة البطاطس رغم تربة ولاية ماين الصخرية.
موريس شاف مجموعة أولاد واقفين بلعبوا بكوم ورق شجر جاف، مشي أسرع شوية، فبالرغم من إن كان نفسه يلعب معاهم، إلا إنه كان بيتمنى ما يلاحظوش مروره.
كان الأولاد بيسخروا منه ومن ريحته اللي بتفوح بريحة الحظائر وروث الماشية، وكانوا بيغيظوه ويتريقوا عليه بدون رحمه، وكان بيكره تصرفهم ده، وبيكره نفسه.
كل الأاولاد التانيين كانوا عايشين في مزارع زيه، بس كانوا مستمتعين بطفولتهم، على عكس موريس طبعا. مع إختلاف طبيعة حياتهم عن حياته، الأولاد في سنه كانوا في سنين دراسية أعلى لأن موريس كان بيسقط كتير أو بيعدي سنة مايروحش المدرسة بسبب إضطراره لمساعده أبوه في الزراعة. بس برضو كلهم كانوا بيساعدوا أهلهم، لكن ولا واحد كان بيضحي بدراسته.
موريس كان بيكره إختلافه، وبيكره كونه منبوذ دايما.
في طريقه، إفتكر موريس الربيع الي فات، أما أبوه إشترى جرار جديد وقال له في عنف:
- إركب وسوق أحسنلك..
الولد حاول يسوق بس معرفش، ده كان شغل رجالة كُبار مش طفل عنده عشر سنين. رجليه مكانتش واصلة للبدالات، بس الرجلين القصيرة مكانتش عذر كافي بالنسبة لأبوه ماكسيم ثريو الي كان مصمم إن موريس يشتغل زيه زي اي عامل أجير بالغ.
ضرب ماكسيم موريس بالقلم، ودفعه برجله وقعه من فوق الجرار.
ماكسيم ثريو مكانش عنده ذرة تعاطف أو مشاعر، كان بيتفنن في أسليب عقاب وأذيه موريس، كان موريس بيبص لوشه القاسي وعيونه الصغيرة المستخبية ورا عدسات النضارة السميكة وكان بيحس أكتر كل يوم إنه مش بني آدم.
ماكسيم كان بيضرب موريس كأنه بيقوله صباح الخير عادي. عمره ما حضنه ولا طبطب عليه ولا قال له كلمة كويسة، بس ده مكانش الوضع مع باقي إخوات موريس الأصغر. في الوقت ده موريس كان عنده تسع أخوة وأخوات منهم توائم، لاحقا أخوات موريس هايوصلوا خمستاشر أخ وأخت. ماكسيم كان بيعامل بناته بتجاهل، فعلى الأقل كانوا بيسلموا من شره، أما الأاخ الأصغر وقتها وكان إسمه بيت، فكان إبنه المدلل المفضل. وهنا أدرك إن مكاسيم ممكن يحب، بس مكانش بيحب حد غير بيت.
أيام كتير كان موريس بيستخبى تحت السرير علشان أبوه ما يلاقيهوش، مع الوقت خوفه من أبوه إتحول لكراهية عنيفة.
برغم كره موريس لماكسيم إلا إنه مكانش بيقدر يخالف أي أوامر له لأنه كان عارف إنه كان هايضربه بقبضته، أو بالحزام.
كمل موريس مشيه بسرعة ومر من قدام الأولاد، وجسمه إترعش أما حس إنه ممكن يكون إتأخر على ميعاد وصوله البيت، وأكيد التأخير له عقاب. الموسم كان موسم حصاد، وماكسيم كان بيفضل شغال من الفجر لبليل وطبعا موريس شغله مستنيه.
أما وصل لبيته المتهالك الكالح، دخل يدور على أمه الي توقع إنها تكون في المطبخ بتعمل حلويات فرنسية كعادتها.
إيملدا ثريو كانت قصيرة، وجسمها مليان، وشعرها بني طويل متضفر في ضفيرة طويلة واصل لنص ضهرها، مع كم خصله رمادي في منبت الشعر كان موريس بيشوفهم كتاج فضي على راسها. وشها المدور وعيونها الواسعة كانوا بيحسسوه إنها ملاك زي الي بيشوفهم مرسومين على شبابيك الكنيسة.
كان بيستغرب ازاي بتفضل رقيقة ونضيفة برغم كل الشغل الي عليها، كانت بتحلب وتنضف الحظيرة وساعات كانت بتساعد في حصاد المحاصيل، غير الغسيل والطبخ ورعاية 9 اطفال وأبوهم. إيملدا كانت الملجأ الوحيد لموريس، وهي الي كانت بتقدر تدافع عنه وتحميه من أبوه، على الأقل عن طريق إنها تقف بينهم وتاخد الضرب بدل إبنها.
موريس مالاقاش أمه فإفترض إنها بتشتغل في الحقل، فشرب كوباية لبن ومسح شفايفه كويس، مكانش ناقص ضرب علشان شوية لبن، وخرج يدور عليها وعلى أبوه، فلمح الأخير ماشي تجاه الحظيرة. غالبا كان رايح يصلح حاجة أو يبص على حيوان مريض. الولد قرر إنه يروح يساعد ابوه، أو يتفرج ويتعلم حاجة تنفعه. أبوه عمره ما علمه حاجة بس كان موريس بيحاول يتعلم بالمشاهدة من ورا ماكسيم، يمكن أما الأب يتفاجيء إن إبنه إتعلم حاجة كويسة يعفيه من الضرب.
تسلل للحظيرة وهو بيحسب في دماغه إحتمالات إن أبوه يشوفه، وإيه ممكن يكون رد فعله على حاجة زي كده.
فتح باب الحظيرة الحديد بالراحة، ودخل. ضوء الشمس كان داخل من شبابيك الحظيرة العالية وكان عامل زي الكشافات، وسمع صوت حفيف في كوم القش.
أما شاف الي أبوه كان بيعمله، إتفزع وفتح عينيه على آخرهم، وحاول يكتم شهقه رعب. الولد مكانش متأكد من معنى الي شايفه، بس كان عارف إنه غلط وإنه مش لازم يكون موجود هنا. حاول يجري بس كان جسده متجمد وفضل يتخيل إن أبوه شافه.
طيب يقف مكانه ساكت، ولا يجري بسرعة؟ فضل يفكر لدقايق وقرر إنه يتسلل ويخرج. من الإرتباك ماشافش شوكة تقليب القش وداس عليها، فوقعت وعملت صوت معدني عالي. الصوت لفت إنتباه ماكسيم الي توقف عن الي بيعمله وبص حواليه لحد ما عينيه وقعت على موريس الي إتجمد مكانه من الرعب.
- موريس!
صوت ماكسيم كان بيدوي زي الرعد..رد الولد الصغير بصوت مرتجف:
- ايوه يا بابا..
- موريس، تعالى هنا!
وقف موريس مكانه مش قادر يتحرك.
- موريس..تعالى هنا وإلا هاموتك!
مشي موريس وهو بيترعش تجاه أبوه الي بدأ يكمل الي كان بيعمله وهو بيقول:-
- أنا عايزك تتفرج عليا..
موريس مكانش قادر يبص، ولا كان قادر يبعد عينيه، بعد كم دقيقة كان ماكسيم خلص الي بيعمله. لف موريس علشان يجري بس صوت أبوه وقفه:
- دلوقتي، عايزك تعمل زي ما كنت بعمل.
موريس غمض عينيه وحاول يعمل زي أبوه ماكان بيعمل، بعد دقايق ماكسيم طلب من موريس يبطل.
- لو كنت عايز تتفرج عليا، يبقا لازم تعمل زيي. المرة الجاية ممكن ما تشوفنيش، بس مش عايزك تقول حرف من الي شوفته لحد، لو قولت لحد هاقتلك وأدفنك ومحدش هايلاقيك.
خرج ماكسيم من الحظيرة وهو بيضحك بصوت عالي شرير. بدأ موريس يبكي، مكانش عارف هو عمل إيه بالضبط بس كان حاسس إنه شيء شرير جدا. الي مكانش موريس مُدركة إنه بفعلته دي فتح باب لعذاب طول عمره، عذاب هايخلي حياته مع ماكسيم تبان كأنها نزهة سعيدة..
_______________
موريس إحتفظ بسره الرهيب تلات سنين،خلالهم إستمر ماكسيم في ممارساته الغريبة في الحظيرة، وعادة ماكان بيجبر موريس إنه يشاركه. موريس كان عارف إن الي بيعمله مُقرف وشنيع وكان بيكره نفسه علشان بيعمله. كان دايما بيحس بحضور شيطاني في الحظيرة.
كل ما كان موريس بيكبر، كل ما كان وجومه بيزيد، وإنحناء ضهره وكتافه المتزايد بيجبروه دايما إنه يبص في الأرض.
موريس مكانش بيحس بالراحة إلا مع والدته، لكنه كان بيخونها بإخفاؤه السر ده عنها،وكان حاسس بذنب فظيع.
فكر إنه يروح يعترف بخطاياه للأب لوكليرك، بس كان خجلان جدا من نفسه حتى في وسط ظلام وخصوصية حجرة الإعتراف في الكنيسة. كان مكسوف حتى يبص لصليب.
كذا مرة كانت والدته تسأله عن الي بيعملوه هو وأبوه في الحظيرة، بس موريس مكانش بيقدر يقول لها، الولد كان بيحاول طول الوقت يخفي عذابه الي بالفعل تحول لجحيم مستعر جواه.
يوم كان قاعد بياكل فطيرة تفاح في هدوء ومستمتع ومستخبي في المطبخ، فجأة شجاعة غريبة ظهرت عليه وهمس لأمه:
-ماما..إنت على طول كنتي بتسأليني إحنا بنعمل إيه في الحظيرة. لو عايزة تعرفي ممكن تروحي تشوفيه بنفسك.
ده كل الي قدر يقوله، إيملدا ثريو كانت عارفة قد إيه إبنها بيتعذب وهو يادوب لسه مكمل 13 سنة، فمارضيتش تضغط عليه أكتر بالأسئلة وقررت تاخد بإقتراحه. كانت مرعوبة من الي ممكن تكتشفه،ومرعوبة أكتر من إحتمالية إن مكسيم يكشفها ويضربها..بس كل ده كان يهون في سبيل إنها تعرف السر الي عامل في إبنها كده.
موريس طلع أوضته وقت ما إيلمدا راحت الحظيرة، كان خايف لدرجة إنه مكانش قادر يتنفس، وفضل يصلي ويدعي ربنا إن أبوه ما يشوفهاش.
فتح الشباك وحاول ياخد نفس عميق علشان يهدا، وركع تاني على ركبه وفضل يصلي صلاة الرب، مفاصل صوابعه كانت بيضا من كتر ما كان شابكها في بعضها جامد.
قبل ما يخلص الصلاة، سمع صوت أبوه، وعرف إن الي خايف منه حصل.
- يا عاهرة! إنتي بتهببي إيه هنا؟
سمع موريس صوت ضربة، وبعدها صرخة طويلة. فضل موريس يصلي ويعيط ويستغيث بالله.
- أنا هاقتلك في يوم من الأيام. أقسم إنه هاقتلك..
كان في حاجة غريبة في صوت أبوه خليته متأكد إنه مش بيهدد وخلاص. ثواني وإتفتح باب الحظيرة، وشاف موريس أبوه رايح ناحية البيت وأكيد بيدور عليه لأنه كان بيقول من بين أسنانه:
- أنا هادفعك تمن الي عملته..
موريس فكر يهرب ويستخبى، بس هايروح فين؟ كده كده ماكسيم هايلاقيه وهايضربه أكتر. إتفتح باب الأوضة ودخل ماكسيم عاري الصدر، لابس بس بنطلون الشغل المتسخ. شعره كان منكوش والعروق في جبهته ورقبته كانت هاتنفجر حرفيا.
- إنت يا إبن الزنا مش قولتلك ماتقولهاش؟
- انا ماقولتلهاش يا بابا..إسألها لو مش مصدقني.
ماكسيم ماسمعش أصلا رد موريس، شد حزامه من حوتلين وسطه وإستخدمه زي الكرباج، وفضل يضرب بيه كل حته في موريس وحواليه، وكان في صوت غرغرة غريب من حنجرته. الحزام كان بيرتفع في الهوا وينزل وهو بيشق الهوا ويشق جلد موريس، ويرجع يرتفع تاني وهو بينقط دم ويغرق الأرض. موريس كان متكور ومش قادر يتحرك ولا يدافع عن نفسه.
موريس بقا كتلة دم، رجع ماكسيم حزامه لبنطلونه ونزل. نام موريس على سريره وعيط، عيط من الألم ومن الإهانة ومن إنه مابقاش شايف اي مخرج من الحياة مع أبوه إلا الموت. عيط لحد ما الدموع خلصت ومابقاش قادر حتى يتحرك، فنام متكور على نفسه وهو بيبص على بقع الدم الي غرقت الملاية.
- بكرهه..بكرهه..بكرهه..لازم أمشي من هنا..لازم..
تابعوا الحلقة التالتة بكرة إن شاء الله، نتمنى الحلقات تعجبكم ومجرد اللايك أو الشير بيشجعني جدا أكمل.
شكرا لثقتكم في المحتوى الي بقدمه ومنورين دايما.
#حصاد_الشيطان
#شيرين_هنائي
Comments
Post a Comment