الحلقة ‏١٥-سيرسي

سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة 15

فورا إتصاحبت بريا على آندي، الإتنين فضلوا طول عزومة العشا عند جون قاعدين جنب بعض. قضينا كلنا وقت ممتع جدا، شربنا وضحكنا وإتريقنا على المستشفى وزمايلنا. المهم، بريا كانت سعيدة بالقعدة دي وبلقاء زمايلي.
خطيبة جون، أنجيلا، كان ست قوية ومحامية شاطرة. قادت بشخصيتها القوية مسار الحديث ومكانتش بتقبل تتغلب من أي حد أو إن حد مايقتنعش بوجهة نظرها.
جون عزمنا على زفافه في فبراير، وآندي تطوعت تتولى تجهيزات سبوع إبننا وزفاف أنجيلا وجون. المستقبل كان واعد بالنسبة لكل واحد فينا، حتى مستقبلي الممل كان مشرق وسط أحلامهم.
كل الي كنت خايف منه بعد خالص عن تفكيري ساعتها..زوجة، أطفال، شغل مستقر، بيت على البحر..لأول مرة في حياتي كل ده يبقا مريح جدا وممتع، طول عمري كنت بلوم بريا على فشلي في تسلق الجبل، على تدريبي في مستشفى أي كلام، على الاباما وعلى الطفل..وكل الي كنت بلومها عليه زمان بقا هو النور الوحيد في العتمة.
مابقتش عايز أكون الحيوان الي كاسي شايفاه.
اما الليلة إنتهت ورجعنا البيت، بريا كانت مبسوطة جدا وحاسة إنها اخيرا عاشت حياة طبيعية زي باقي الناس. قالت لي بريا وهي داخلة الحمام:
- أنا عايزة حياة عادية خالص، عايزة اعمل حفلات عشا وبيت مليان أطفال، عايزة أولادي يكون عندهم أجداد..
- البركة في مامتك هاتبقا تيتة عظيمة.
- لا..إحنا لازم نقول لمامتك كمان..طالما هانعيش حياة طبيعية يبقا لازم تحل مشاكلك معاها..روح يا إريك شوفها وسلم عليها وقول لها إنك هاتكون أب.
- أكيد جيريمي قال لها.
- لا..إحنا الي لازم نقول لها..الطريقة الوحيدة علشان تتخلص من مخاوف الماضي هي إنك تبني مستقبل جديد.
- إيه هاتترشحي في الإنتخابات الجاية!
- ماتهزرش..بتكلم بجد. انا كلمت بابا وماما ووافقوا يدوني مقدم بيت جديد جنب عيادتك، أنا عايزة البيت قبل ما أولد.
- أنا عارف إني مقصر معاكي ماديا، بس مش مرتاح لفكرة السلف من أهلك.
- إنت مش هاتستلف حاجة، أنا اللي هاستلف. عايزة أولد ابننا في بيت حقيقي بتاعنا..عايزة انقل لفولي وابعد عن الساحرة دي.. مجرد ما الاقي بيت مناسب هايكون فاضل شهور بسيطة على إنتهاء تدريبك وننقل فيه فورا أول ما تخلص. ماتاخدش موضوع السلفلة بحساسية إحنا واحد.
- فاهم طبعا.
- أنا سيبت حاجات كاير علشانك وعملت حاجات مابحبهاش علشان أكون معاك في اهتماماتك..فأرجوك ثق فيا مرة واحدة وأعمل الي بقولك عليه. خلي عندك عيلة وبيت..انا عايزة عيلة وعايزاك، لكن لو بوظت كل ده تاني مش هاقدر أستمر معاك.
__________________________
الفصل السادس
معركة المحارب الحقيقية، تلك التي تكون بينه وبين ذاته.

المحارب الروحي

________
مافشي أي ثلوج بتنزل في موبيل.. فكرة الكريسماس الحر غريبة ومحسساني إن في حاجة غلط.
المتدربين في سريسي كانوا في أجازة لمدة أسبوعين على عكس باقي العاملين الي كانت أجازاتهم أقصر. كنا كده كده محتاجين نفصل قبل التبديل بين الأاقسام.
قضينا أغلب الأسبوع الأول من الأاجازة أنا وبريا مع أصدقائي الجدد. الخروج اليومي والتعرف على الناس خلى بريا تتشتت عن التفكير في خيانتي لها..هي بالفعل ما سامحتنيش بالكامل.
آه كنا بنرجعع البيت بليل ونضحك ونتكلم بس علاقتنا مارجعتش زي الأول. كنت بجيبلها ورد كل يوم، وبتحاشى النظر حتى لحذاء أي واحد تانية. أنا إتغيرت، الخوف حرق كل طباعي القديمة. كل الي عايزه دلوقتي هو مراتي وإبني.
بريا كانت بتنام كل يوم بدري بسبب أدويتها، ومكانتش بتلمسني أبدا. القيء توقف وبدات تاكل بشهية، مافيش حاجة مابقتش بتاكلها.
مع سغر آندي وجون لأهلهم علشان الكريسماس، بقينا أنا وبريا لوحدها، محدش معانا غير ذنوبي القديمة.
بريا خططت لباقي الإجازة بمعرفتها وكان لازم أسمع كلامها. البداية كانت برحلة إجبارية لأورانج بيتش علشان نزور أمي في بيتها على البحر. الجو يومها كان سيء وقلب عاصفة رعدية والبحر كان عالي جدا.
ما شوفتش أمي من أربع سنين، ونادرا ما كنت بتصل بها..ماعنديش سبب معين ورا البعد ده كله، ماكونتش بحب أتكلم معاها وكنت تعبان من الإحساس بالذنب إني مقصر معاها. أيا كان الجهد المبذول علشان ارضيها كانت دايما بتحسسني بالتقصير. فبدل الظلم ده بقيت بقصر عن عمد.
وقفنا قدام البيت الوردي الي كان بيفصله عن الامواج ممشى طويل، ورنت بريا الجرس. إرتحت إن جيريمي هو الي فتح الباب وحضنني. بروك مراته مكانتش هناك، بس هو كان شارب وبيضحك.
البيت كان نضيف ومرتب بس مكانش في أي ملمح من ملامح الكريسماس.
جت أمي وقالت وهي بتحاول تبتسم:
- الإبن العاق وصل!
بوستها على خدها بوسة مجاملة وقلت لها:
- أنا مش عاق.
امي كان شكلها متغير لدرجة إني لو شوفتها في الشارع ماكونتش هاعرفها. عمليات التجميل عملت منها شخص أصغر كتير في السن بس بدون روح.
عينيها كانت مشدودة لوفوق وبشرتها منورة بشكل صناعي رخم.
- طبعا مش عاق..
جيريمي حط دراعتها حوالين كتافنا أنا وامي، وقال:
- بلاش مناقرة النهاردة. النهاردة ليلة مفترجة والصبح إيريك ومراته هايسافروا فبلاش ننكد على بعضنا.
أمي مكانتش طابخة، أشك إنها كانت تعرف أي شيء عن الطبخ. وضعنا كان غريب وإحنا قاعدين على البحر على مائدة فارخة مافيهاش إلا بطاطس ولحم مجفف في الكريسماس!
كنت متعود على كريسماس بريا، وديكور شجرتها الي كانت مجمعاه طول عمرها، كنت بحب أوبها أما كان ياخدنا كلنا الكنيسة بما فيهم صدف أمها، ووحشني جلوسها في ركن الكنيسة ساكته بتحاول تقنعنا إن تصرف جوزها ماضياقهاش دينيا.
كنت متعود على لمة عيلة بريابرغم إختلاف إيمان كل واحد فيهم عن التاني، بش كلنا كنا بنقعد في تناغم ومحبة حوالين أكل يليق بتجمع سنوي للعائلات، معمول بحب وممزوج بكل الاعراق والأديان وإختلاف الحضور.
بحب الكريسماس مع عيلة بريا.
على العكس كان بيت أمي، مكان فخم بارد ميت، مافيهوش إيمان ولا ثقافة.
فضلت أمي تشرب وتشرب لحد ما وشها الصناعي إحمر وبقا زي المحروق.
جيريمي ساب الاكل وفضل يحاول يملا الفراغ بالكلام. جيفكان بيشرب سيجارة ورا التانية، قلت له:
- ماينفعش تدخن هنا.
قال لي:
-عارف إنك سيدنا وتاج راسنا وأحسن مننا كلنا..بس ده معلش مش بيتك ولا هاتقول لنا نعمل إيه ومانعملش إيه فيه.
- مش فاهم قصدك..أنا مش أحسن من اي حد، كل الموضوع إني مش عايز بريا تتعرض لدخان السجاير.
لقطت بريا من الخيط وقالت ووشها محمر:
- أعتقد إن ده الوقت المناسب إننا نعلن إني حامل..هاتبقي تيتة يا آن!
فجأة ضحكت أمي، وقلب الضحك عياط..سألتني بعده:
- هو..هاينفع أشوف حفيدي؟!
 قال جيريمي:
- ماما بلاش كده، الرجل جاي يقولك ونيته خير.
- خير مين؟ أنا ماشوفتوش من أربع سنين وماسمعتش صوته من يوم فرحة، والنهاردة جاي يقول لي هايخلف، المفروض أعمل إيه؟ أفرح؟
بريا فاجئتني، ممكن تبقا رقيقة ولطيفة زي اللافندر، بس فجأة قلبت، وبصت لأمي في حدة ماشوفتهاش عليها من سنين وقالت:
- إنت مش حاسة بنفسك؟ مش حاسة بقسوتك الي بعدته عنك؟ كتر خيرنا إننا جينا وقولنا نرجع العلاقات علشان إبننا، بس إنت هاتندمينا..نسيتي يوم فرحنا؟!
- لمي نفسك، مش غلطتي..أنا قلت الحقيقة بس!
صرخ جيريمي:
- يا جدعان كفاية، ماينفعش نقعد زي خلق الله في هدوء؟!
بريا وأمي تجاهلوا جيريمي تماما.
- حقيقة إيه؟ إنت كان عندك إبن زي الفل كنت بتستغليه عاطفيا طول عمري وتسقطي عليه كل أمراضك النفسية وكل الي سمحتي لأبوه يعمله فيكي. أنا آسفة لكون جوزك رجل خاين وواطي، بس كان لازم تقفي وقفة تحمي بيها نفسك وولادك. مكانش لازم تشيلي إيريك شيلتك. أنا بحب إبنك وما أجرمتش علشان بحبه.
- إيريك كان إبني أنا! كان كل اللي ليا، كان هو الي بياخد باله مني وإنت سرقتيه يا فاجرة! خطفيته وكان لسه صغير مش فاهم حاجة.
قمت في حدوء، قضيت سنين محبوس جوه أم هيسترية وحركاتها دي مابقتش بتأثر فيا. إختياري كان إني اتحاشاها، وكان إختيار صحيح.. كانت مجرد دمية ملونة ملفوفة في فلوس أبويا ومافيش حد حواليها ولا قادر يتحملها.
مديت إيدي وسلمت على جيريمي وقلت له:
- شكرا على حسن نيتك، كنت هابقا سعيد لو كانت الامور مشيت زي ما كنا عايزين. هابقا أتصل بك.
ولولت أمي وقالت:
- آديك هاتهرب تاني..كل مرة تصعب عليك حاجة تهرب منها. إنت مش راجل، إنت عيل صغير مذعور.
بصيت لها وقولت في هدوء:
- سلام..
أخدت بريا في إيدي وخرجنا ركبنا العربية. فضلت تتطبطب عليا طول الطريق.
- حبيبي معلش، بس كان لازم نحاول.
- يمكن..بس أنا ضيعت عمر في محاولات إرضائها، ومش هاكررها تاني.
أعتقد إني محتاج علاج نفسي بعد الي شوفته مع العيلة دي.
- نفسي أو روحاني..
- روحاني؟
- أعتقد إننا المفروض نروح لخبير روحاني.
- لا معلش كفاية المجانين الي في الشغل.
- بتكلم جد..من ساعة موضوع الزفتة كاسي دي وانا بشوف أحلام مرعبة..أعتقد إنها عملت لنا حاجة..لازم تيجي معايا، أكيد سحرتلي!
ماكانش ينفع أرفض لها طلب، تاني يوم روحنا لمعالجة روحانية أو مستبصرة حسب ما قالت لها صاحبتها.
_________________________
المستبصرة مكانتش زي ما تخيلتها..
بيتها كان عبارة عن دورين بالطوب الأحمر حوالية جنينة جميلة وفيها مراجيح. في الحديقة الخلفية كان في مجموعة سيدات وأطفال بيستمتعوا بالقعدة الظريفة.
واحدة من السيدات دي، كان شعرها أحمر وطويلة، التفتت لنا أول ما جينا، ومدت إيدها سلمت على بريا وقالت:
- أهلا، انا سيبل، ودول أخواتي وولادنا. تشربوا حاجة؟ 
ردت بريا: 
- ميه بس..
دخلت سيبل البيت وسابتنا قاعدين  مع أخواتها. بريا فورا لضمت مع الستات وفضلوا يتكلموا عن الأطفال والحضانات وإندمجت أوي حتى غنها ما حستش بعودة سيبل الي طلبت مننا ننتقل لأوضة خاصة.
الأوضة كانت مشمسة جدا، مكانش فيها إلا ترابيزة وكراسي من طراز فيكتوري فخم. قعدت سيبل وقعدتنا جنبها، مانورت شمع ولا أي حاجة من الي كنت متخيله.
من بعيد كنا سامعين صوت الرياح وضحكات الأاطفال.
غضمت سيبل عينيها ومسك إيدي ومرت 7 أحجار على الترابيزة. فضلت تبص للاحجار فترة طويلة بعدها قالت:
- الحقيقة الي هاقولهالك ممكن ماتكونش الحقيقة الي إنت عايز تسمعها. طريق كله فروع وإحتمالات، وكل طريق وله نهايته. بس هاقولك اللي اعرفه..الحجر ده إسمه كانو، بيعني إنك فتحت على نفسك باب لشيء مختلف، وسمحت لنفسك تستقبله.
الحجر ده هو إهفاز، مستقبلك، حجر الإنتقال وبيدل على تغييرات عظيمة، الحجر ده ثورياز، بوابة الشيطان، البوابة الي بين الجنة والجحيم..الشيطان نفسه بيقف عند البوابة دي وإنت واقف قدامه دلوقتي. الحجر ده، إنجوز، حجر الخصوبة.زفي حياة جديدة جواك، إنت بتتجدد وبتتغير ومراتك حامل في توأم. الحياة محاوطاك والأمل في كل مكان. الحجر ده هو حجر التحدي، تيفاز، حجر المحارب الروحاني، ومعركة المحارب الحقيقية هي الي بينه وبين نفسه، لكنك لازم تحارب حاجات تانية. شايفة في ظلام قدامك، ومعركتك مع نفسك ومعاه..دول حجرين المستقبل...
غمضت سيبل عينيها تاني وقالت:
- في حاجات حلوة وحاجات وحشة، وفي احداث بره قدرتك على التحكم..في عاصفة هاتجيب معاها ألم ومعاناه..العالم هاينهار من حواليك، كل حاجة هاتلمسها هاتتعفن، وكل أرض هاتخطي عليها هاتتلعن.
فتحت سيبل عينيها وبصت لي، نظرتها البرئية القديمة زالت، وبدلها كانت نظراتها كلها غضب وإشمئزاز:
- إنت عملت إيه؟!!
- مش فاهم، في إيه؟!
- طبعا مش فاهم! 
مالت سيبل على بريا ومسكت إيدها وقالت لنا:
- في حاجة عيازاكم تفهموها، اغلب الناس بتعتقد إن الأماكن بتتلعن بسبب أحداث سيئة حصلت فيها، بيعتقدوا أن الأشباح بتسكن الأماكن دي، لكن مش دي الحقيقة. في أماكن فاسدة وملعونة، وبيحصل فيها أحداث مروعة بسبب فسادها. الشر بيسري تحت الأارض والي بيزع في الأرض دي بيحصد حزن. الأشباح ما بتتولدش، والموتى ما بيتحركوش..الأشباح هي ظلال العالم اآخر، مسوخ بدون وشوش. العالم مليان حاجات مابنقدرش نشوفها بعينينا، والي ورا الحاجز هايفضل مجهول..بس ساعات بيتسرب لعالمنا بعض منه، الأماكن الي فيها القطع في الحاجز هي دي الأأماكن المسكون فعلا، والي بييجي من القطع ده بيبقا عايز البشر ومهما ياخدوا منهم ما بيشبعوش..وشيء من دول وصل لك يا إيريك...

Comments

Popular posts from this blog

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي

الحلقة ‏العاشرة- ‏في ‏مكان ‏مظلم

المنزل ‏في ‏شارع ‏ميبل- ‏ستيفن ‏كينج