الحلقة ‏١٦-سيرسي

سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة 16
 
مالت سيبل على بريا ومسكت إيدها وقالت لنا:
- في حاجة عايزاكم تفهموها، اغلب الناس بتعتقد إن الأماكن بتتلعن بسبب أحداث سيئة حصلت فيها، بيعتقدوا أن الأشباح بتسكن الأماكن دي، لكن مش دي الحقيقة. في أماكن فاسدة وملعونة، وبيحصل فيها أحداث مروعة بسبب فسادها. الشر بيسري تحت الأارض والي بيزع في الأرض دي بيحصد حزن. الأشباح ما بتتولدش، والموتى ما بيتحركوش..الأشباح هي ظلال العالم اآخر، مسوخ بدون وشوش. العالم مليان حاجات مابنقدرش نشوفها بعينينا، والي ورا الحاجز هايفضل مجهول..بس ساعات بيتسرب لعالمنا بعض منه، الأماكن الي فيها القطع في الحاجز هي دي الأأماكن المسكون فعلا، والي بييجي من القطع ده بيبقا عايز البشر ومهما ياخدوا منهم ما بيشبعوش..وشيء من دول وصل لك يا إيريك...
هزيت رأسي في رفض وقلت لها وأنا مش مصدق:
- إنتم كلكم بتكرهوني، آخر واحدة قرأت لي الطالع قالت لي إني هاموت صغير!
ضحكت، بريا كانت بتبص لي في ذعر، كانت مصدقة كل كلمة قالتها الست دي.
شاورت سيبل لآخر حجر قدامها وقالت:
- ده حجر أودين، حجر المجهول. المجهول هو البداية والمجهول هو النهاية.. الموت هو المجهول. إنت فتحت باب، وعارفة إنك ما فتحتوش متعمد، لكن الباب ده مبيتقفلش..مصيرك إتحدد خلاص.
الفتت سيبل بعيد عني وحطت إيدها على بطن بريا وقالت:
- ماتقلقيش..العالم مليان أشياء مابنقدرش نشوفها، في النهاية إنت وأولادك هاتلاقوا السلام في النهاية مع بعض. لازم تواجهي الي جوزك حرره، ده العبء المكتوب على أي ست. بس ماتخافيش إنت في أمان..
بريا كانت بتعيط، لكنها أشرقت مع كلام سيبل وابتسمت، حضنتها وكملت بكاء على كتفها. ضحكت وسألت في توتر:
- وأنا؟ أنا في أمان؟
مرت سحابة حجبت الشمس وضلت الأوضة، النسيم توقف وساد الصمت. قالت سيبل في صوت زي الفحيح:
- لا..إنت ملعون..إنت ملك سيرسي إنت والست الي إنت مربوط بها.
- الكلام ده مايدخلش ذمتي. نيجي المسافة دي كلها علشان ترعبيني أنا ومراتي..في إيه يا جماعة مالكم؟ ماتقولوا حاجة كويسة يا تسكتوا.
مدت سيبل إيدها لي في برود وقالت:
- خمسين دولار.
إديتها فلوسها وجريت بريا بره البيت، وسوقت بأسرع ما يمكن. كنت غاضب، تعبت من الستات الي بتدعي إنهم مستبصرات وساحرات . أنا حاوطت نفسي طول عمري بناس متعلمة عقلانية فاهمة الحقيقة من الخيال، وبرفض حد يقدملي الجنون متنكر في شكل علم زائف. 
مايهمنيش الأحجار قالت إيه، كل ده كلام فاضي. مش مصدق إزاي طاوعت بريا على قلة القيمة دي.
سألتني بريا وإحنا في الطريق وهي لسه بتعيط:
- إيه الي حصل بينك وبين كاسي بالضبط؟ أنا عارفة إنك نمت معاها، بس عملت إيه تاني؟! إنت قولت إنها قالت كلام وتعاويذ في البدروم، قالت إيه؟
- بيرا، كفاية..أنا مديونلك وأسير غفرانك لي، بس مش هالعب اللعبة دي تاني..مش هاروح لمخابيل يكلموني تاني عن العفاريت والشياطين واللعنات. عندي مجنون معتقدان الشيطان هو الي خلاه يقتل عيلته، أروح أقعد معاه وآخد رأيه هو كمان؟!
- أرجوك، أنا خايفة أوي..طاوعني.
- خايفة ليه؟ علشان واحد بتقرا البخت؟ دي ست مجنونة.
- علشان العفريت بيلاحقني، عارفة إنك هاتقول عليا مجنونة، بس اقسم لك الشبح ده حقيقي..مش قادرة أنام..بصحى الاقي خنافس مالية شعري وبشم ريحه المخلوقة دي في سريري! أرجوك!
- نعم؟؟؟
- مش عارفة، بس هي مش...مش عارفة..المخلوقة دي مسخ، بحلم بالمسخ ده كل يوم بيحاول يقتل أولادنا. ماكونتش راضية احكيلك من زمان علشان مش هاتصدقني. طول إنت إنت بعيد، موجود ومش موجود. صحيح الي بقوله غريب بس كلام سيبل أكد إحساسي إن كل ده حقيقي والشيء ده عايزك وعايزني. هي عرفته من غير ما أحكيلها حاجة، مخلوق قديم من تحت الأرض بيطاردنا. قل لي أرجوك إنت عملت إيه مع كاسي؟

- بريا، حبيبتي، سيبل بتخرف. انا مش قادر استعيد تاني الي حصل بيني وبين كاسي، كل مرة بحاول أفتكر عقلي بيمنعني. كاسي وقتها كانت مش بني آدمه.
سامحيني، انا ما استحقيكيش، ومهما عملت مابطلتش لحظة إني أحبك. كاسي أخدتني تحت المبنى القديم في المستشفى، مش هاعرف أوصفلك المكان بس تحسيه زي الدهاليز، زي المتاهة. كنت ماشي وراها وماقدرتش أرجع اما شكيت فيها لأن مكانش معايا كشاف. مش هكدب عليكي كنت شايفها جذابة وهي واقفة قدام المذبح في البدروم بتخلع هدومعا وبتنشد. ضربتها بس معرفش إيه الي حصل لي بعدها..هددتني إن ما أستمرت معاها إنها هاتقولك على كل علاقاتي السابقة الي معرفش عرفتها منين. الست دي مش كويسة ومش محترفة كطبيبة وبتستغل مرضاها.الست دي هي كل شيء بكرهه في الدنيا.
بريا كانت بتسمعني وهي بصالي بيعينها السود الواسعة، الشمس كانت بتغرب ومابقتش شايف تفاصيلها كويس، بس شايف إنها حاطة إيديها على بطنها. قلت لها:
- بريا..هاكون متفهم تماما لو قررتي الإنفصال، انا ما استاهلكيش. الي عملته مع كاسي لا يغتفر..عارف.
- الي حصل حصل..للأسف بحبك، بحبك من قبل ما تاخد بالك مني أصلا. غريبة إنك طول الوقت بتقول للناس إني ماكونتش عايزاك وإنك أغوتني علشان أحبك. الحقيقة إني كنت بحبك من أول يوم شوفتك فيه في الجامعة.أنا الي خليتك ملكي، ومهما كترت الستات الي بتحاول تاخد مني كنت بترجع لي. مش هاقدر أسيبك، إنت الرجل الوحيد الي عايزاه.
__________________________
الليالي بقت أبرد، وده شيء مش معتاد في موبيل.
الأسبوع ده لقينا بيت مناسب، كنا بندور برغم البرد، كنا بنحارب الوقت.
رجعت الشغل، والصراحة الشغل مع دكتور دونالد وفريقه ممتع جدا، مكانش في شغل بيروقراطي كتير والأهم إني كنت بكشف على المرضى وبقيم حالاتهم وبتعلم أكتر وبساعد أكتر.
إدني دكتور دونالد أجازة يوم علشان اروح مع بريا لطبيب النساء، ماكونتش طلبت منه أجازة بس الرجل كان متفهم جدا وواخد باله من الحياة الخاصة للمتدربين وبيراعيها وبيتكلم دايما عن عيلته وأحفاده.
رحنا أنا وبريا علشان تعمل أول موجات صوتية لها، وكنا مش عارفين هانسأل عن جنس المولود ولا نخليها مفاجأة.
فضلت ماسك إيد بريا والدكتور بيحرك الجهازعلى بطنها وعينينا على الشاشة. أنا دكتور بس ماكونتش فاهم حاجة في الي شايفه ده.
شاورت الممرضة على حاجة في الشاشة وقالت:
- الله! هو دكتورك ماقالكيش إنه سمع صوت قلبين ولا إيه؟
- لا ماقالش!
- مبروك، إنت حامل في توأم!
سألت بريا وصوتها خايف، عارف إنها بتفكر في كلام المستبصرة:
- فعلا؟ 
- بصي، في راسين أهم..بصي بصي..دول بنت وولد!
قلت في سعادة مفتعلة:
- شوفتي، آدينا إحنا الإتنين جالنا الي نفسنا فيه.
- سيبل كانت صح..
- وقالت كمان إنت وإنت والأاولاد هاتكونوا في سلام..ماتزعليش بقا.
بعد ما رجعنا البيت بريا مكانتش هي بريا. جالها نوبة قيء بعدها قعدت تتفرج على التليفزيون وهي ساكتة خالص..كأنها ضايعة. قعدت جنبها طول الوقت ودلكت رجليها، ورفضت تاكل اي حاجة.
- بريا، ماتخليش كلامها يعمل فيكي كده. اصلا القراءات دي بيكون لها كذا تفسير.
- عارفة.
- وبعدين هي قالت كلام حلو ععنك وعن الأوولاد، قالت لك ماتخافيش.
- بس أنا مش عايزة افقدك.
- مش هاتفقديني ولا حاجة.
- اوعدني إنك مش هاتسيبني.
- أوعدك.
أخدت أجازة أربع أيام تانية وفضلت معاها مابروحش في أي حتة من غيرها. مضينا عقد البيت الجديد والي كان مطل على بحيرة.
أبو بريا إدانا فلوس المقدم، وبدأنا في تجهيز البيت. كان في اوضة كبيرة تنفع أوضة للأطفال وبريا أما شافتها ابتسمت لأول مرة ونسيت كلام سيبل وبدأت تجهز في التفاصيل والديكورات.
أخدت بريا أجازة من شغلها، وكان فاضل شهرين على ميعاد إستلام البيت بعد التجهيزات. روحت لعيادة والدي القديمة وقعدت مع شركاؤه، رحبوا بيا جدا ومكتب والدي كان زي ماهو وتحت أمري..أما دخلته حسيت بالفراغ الي سابه برحيله لأول مرة.
أما رجعت الشغل شكرت دكتور دونالد على تفهمه، والرجل كان بيسيبني أرجع البيت بدري كمان.
هلصت شغلي وروحت أستنى جون وآندي عند عربية الأأخيرة. وشوفتها تاني...
ما ابتسمتش لها..جين..
كانت واقفة على السلم ونزلت وقربت مني أول ما لمحتني..كانت مبتسمة وسعيدة كعادتها غير المفهومة.
- روي مفتقدك.
- روي فاكر إنك شبح.
- انا مش شبح.
- إنت مين؟
- أنا جين..أنا كاسندرا..أنا دكتور بوسارج، أنا إنت..أنا سيرسي..
جاوبت وإختفت في الضباب وسابتني بردان ومحتار. أما وصل جون وآندي اقنعت نفسي إن عيني غفلت ثواني وحلمت.
سألتني آندي في زهق:
- إنت كنت بتتعامل معاها إزاي دي؟!
- بصراحة، كانت هاتخرب بيتي.
- لازم يسحبوا ترخيص ممارسة المهنة منها، دي مش دكتورة، دي مشعوذة برخصة!
قال جون:
- أنا مش فاهم درست إيه وفين، ولا حتى بنشوفها علشان نعرف نفهمها. كل الي بيننا ملحوظات مكتوبة ونقد وعلامات على التقارير بالأحمر كأننا في المدرسة.
ردت آندي:
- لا مش قصدي على كده، في حاجة كبيرة غلط في الست دي،عارفين إن عندها كتب سحر في المكتب؟ سمعتوها وهي بتتكلم؟ دي مجنونة أكتر من المرضى الي في المستشفى. عندها سجل جامعة فيه كل قصص التعذيب الي حصلت هنا!
قال جون:
- الي مش فاهمة ليه دكتورة بابكوك محتفظة بيها لحد دلوقتي؟ 
جاوبت:
- اعتقد إن كاسي عندها كاريزما معينة بتخلي الناس تنصاع لها، كمان بتقدم شغل المتدربين عندها على إنه شغلها فتبان دكتورة خارقة.
سألت آندي مستنكرة:
- أمال إيه شغلتها بقا؟ بتودي وقتها فين؟ مش ماسكة أي جلسات علاج جماعية ولا معاها أي مرضى بتتابعهم.
- كانت بتقول لي إنها شغالة في التالت.
قال جون:
- مش حقيقي..انا شغال في حالة روي في التالت وعمري ما شوفتها هناك. يبقا بتروح فين؟!
قالت آندي: أكيد بتقعد تمخمخ في طرق تطلع بيها عينينا.
- بصوا يا جماعة، تجاهلوها..كلها كم شهر يعدوا بالطول ولا بالعرض ونخلع من هنا. فرحك إمتى يا جون؟ الدعوة ضاعت مننا. آه صحيح بريا حامل في توأم!
غيرت الموضوع، وسيبتهم متحمسين بيتكلموا طول الطريق عن الأفراح والسبوع وغبت أنا في أفكاري.
_________________________
تاني يوم عزمنا جون وخطيبته وآندي على العشا، قضينا ليلة حلوة جدا وبريا إنبسطت. 
نمت من كتر ما شربت، وصحيت على الساعة تلاتة متلج. كل شبابيك الأوضة كانت مفتوحة، قمت قفلتها وروحت أدور على بريا.
دماغي كانت بتدق من الصداع وعينيا مزغللة من كتر الشرب. لقيت بريا قاعدة في الصالة حاضنة رُكبها، والكلب قاعد جنبها على الأأرض. كانت باصة قدامها للاشيء وفي بقعة دم تحت رجليها.
- بريا! إيه الي حصل؟
شديتها وقدورت على مصدر الدم مالاقيتش، رفعت هدومها ولقيت بطنها متغطية بحاجة زي خربشان ضوافر القطط.
- بريا إيه ده؟!
بصت لي في شرود:
- كنت فاكرة إني لسه نايمة..آسفة.
- إيه الي حصل لبطنك؟
بصت ببطء لبطنها ومشت غيدها على الجروح المفتوحة وقالت:
- كنت فاكرة إني بحلم.. شيء..مخلوق قد القطة لقيته في السرير. إتخضيت ورميته بعيد، مكاونتش عارفة عبارة عن إيه..غالبا كنت نايمة بس هو أكيد قطة يعني..أكيد..ماينفعش يكون زي ما شوفته..كان عصبي أوي..
أخدتها الحمام ونضفت الخدوش بعناية ولزقت عليهم بلاستر. كانت بريا لسه بتقول في شرود:
- غالبا قطة ضالة دخلت من الشباك..انا فتحت الشباك عشان الو كان حر وهي دخلت..
هزيت راسي، لولا إن آثار المخالب صغيرة كنت شكيت إن بريا تحت تأثير التوتر عملت كده في نفسها وهي نايمة. ذكرى لرؤية قديمة رجعت لي تاني ورعبتني.. الكائن الي محكيتش عنه لبريا، الي كان واقف في المطبخ وسيرسي كانت واقفة في الركن بحشراتها.
الذكرى كانت عنيفة ورعبتني. طمنت مراتي بكل الاكاذيب الممكنة، قلت لها إني لمحت قطة ضالة فعلا إمبارح في الجنينة، وان كان في نص سنجوتش على الكومود جنب بريا وأكيد ده الي خلا القطة تدخل علشان تاكله.
صدقتني بريا لأنها كانت محتاجة تصدقني، وصدقت نفسي لأن كنت محتاج أي تفسير يمنعني من الجنون.

Comments

Popular posts from this blog

عشرة ‏أيام ‏في ‏مصحة ‏عقلية ‏- ‏تأليف ‏نيلي ‏بلاي (كامل)‏

إهداء- ‏ستيفين ‏كينج- ‏ترحمة: ‏شيرين ‏هنائي

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي