الحلقة ‏١٧- ‏سيرسي


سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة 17
 المستشفى، سيرسي، بقت مكان بارد جدا بالنسبة لي. ل الطرقات بقت أطول والمبنى القديم المرعب كان بيطل عليا من شباك مكتبي زي الشبح، زي الي بيحكم عليا بذنوبي.
برغم تحسن أحوالي في الشغل، ودماثة خلق دكتور دونالد، إلا إن الظلام كان بيخيم عليا. هلاوس غريبة بتطاردني، حاجات بتتسلل من الشبابيك، الحوائط بتهمس، مرضى ما أعرفهومش خالص بينادوني بإسمي.
حاولت أتجاهل كل ده وابعده عن نقطة تركيزي، بس كانت الهلاوس بترجع في لحظات حرجة جدا. كنت ببقا بتكلم مع مريض والاقي سيرسي واقفة في الركن بتغرقه بحشراتها. القط الشيطاني الي عور بريا كان بينسل من بين رجليا من وقت للتاني وينط من الشباك. سيرسي بتفضل تهمس لي إن العاصفة جاية..بمسك راسي بإيديا وبعض على أسناني..العاصفة جاية..سيرسي بقت مكان مسكون بيدفعني للجنون.
ودايما جين كانت بتلاحقني. بتقعد جنبي وأنا بتغدى وتكلمني عن روي. أول مابكون لوحد بلاقيها قدامي بتحكي لي عن سيرسي، عن نفسها. قالت لي إنها كانت ساحر واستخدمت السحر لإغواء طبيب زمان. ضحكت وهي بتقول لي إنها قتلت خمس مرضى، ورسمت على الأرض بدمهم، بس محدش أهتم ولا حد أخد باله.
مهما حلولت أنا وبريا إننا نقنع نفسنا إن كل شيء تمام كنا بنفشل. كنا طول الوقت بنمثل على نفسنا وعلى الي حوالينا. كتير حسوا إننا متغيرين بس مكانش عندنا تفسير نقوله لهم.
يوم ورا التاني كنت بلاقي بريا بتقضي أغلب ليلها في الصالة مع الكلب، وبتتكلم عن قط مخوفها ترجع تنام تاني في سريرها. أخيرا قررنا ننام على الأارض في الصالة، لكن أحلامنا كانت بتصحينا من احلى نومة. واخيرا بنستسلم ونشغل التليفزيون ونتفرج على أي كلام فاضي ينسينا.
مهما كان الوضع صعب في البيت، فالشغل كان أسوأ.
كنت بفقد تقارير كتير بسبب إن الكهربا كانت بتروح وتيجي كل شوية في مكتبي وبسببها بتتمسح التقارير  من على الكومبيوتر. الأصوات الي بسمعها إتحولت من همسات لصرخات، وساعات كنت بضبط نفسي برد عليها، بترجاهم يسكتوا شوية، بس مافيش فايدة.
جين كانت بتقعد معايا، تحط راسها على كتفي. بتجاهلها وبقول إنها هلاوس. كانت بتهمس بأسرار في ودني، قالت لي إن المبنى إتحرق زمان أيام ما كان قلعة، حرقه واحد من السحرة من قبائل الكومانشي ،كان بيقول إن المكان ده دَنِس. للأسف الريح هبت وأخمدت النار، والساحر أتعدم.
قالت:
- أنا الصوت النابع من روح، أنا الصوت المالك لأارواحكم كلكم..أنا لا أُحصى، أنا سيرسي!
جين..جين..حكاياتها كانت ماتتعدش، أكتر بكتير من الي قالته كاسي. كانت بتحكي عن أطفال قتلى، وحوامل مغتصبات..
حكت لي عن روي، وقد إيه كانت مشتاقة للإستحواذ عليه..هو الي رجعها لحبيبها، رجعها لكال..قالت إنها إستنت اللحظة دي كتير .
قالت:
- أنا بحب المكان ده..بحب الشمس..مش هامشي من هنا أبدا، ده بيتي..مش هارجع تاني.
سألتها:
- ترجعي لفين؟
- لازم تيجي معانا،هاتعيش للأبد هنا، عيش معانا للأابد تحت الشمس.
كل ما كنت بطول في القعدة مع جين، كل ما نوبات هلاوسي بتبقا أسوأ. ببقا غرقان في الحشرات وأنا بتكلم مع مرضاي، بشوف سيرسي في الظلال، مكانش في أي حاجة أعملها توقف الهلاوس ..ومش قادر اعتقر لنفسي إني خلاص فقدت عقلي.
أسوأ نوبة جتلي وأنا في جلسة علاج جماعي مع دكتور دونالد ومجموعة أطباء تانيين. دكتور دونالد كان بيشرح حالة معقدة أما شوفت القط الشيطاني نط من الشباك من ورا واحد من المرضى، وابتسم لي! حاولت أبعد الهلاوس واغمض عينيا لكن الكائن كان لسه بيقرب لي وبغرس ضوافره الصغيرة في خشب الترابيزة الي قدامي، وبيفح زي التعابين.
إتشليت في مكاني، ماكونتش عايز أتفضح في المكان ومش قادر اتخلص من الذعر الي حاسس بيه.
قلبي كان بيدق في حنجرتي، كل حواسي توقفت وانا شايف الكائن بيقرب من ببطء وثقة. تراجعت بالكرسي لورا، صرختي محبوسة وانا عمال أقول لنفسي: ماتصرخش! ماتصرخش!
لو صرخت الكل هايعرف إني مجنون زي روي، لكن الكائن كان بيقرب وحسيت عينيا بتدمع. سمعت دكتور دونالد بيقول:
- دكتور بلاك؟ دكتور بلاك؟؟
نقلت عينيا عن الكائن لوش دكتور دونالد وقلت:
- آسف.
- إنت كويس؟!
- أيوه كويس، بس مانمتش كويس أمبارح بس.
الشيء كان حرفيا على حجري. حاسس بلعابه على رجليا. هزيت راسي تاني وصرخت في سري: حد يلحقني! صرخت: ارجوك كفاية!
فضل المخلوق قاعد على حجري، الحوائط كانت بتأن، عينيا بتزغلل من صوتها، أنا إتجننت!
- دكتور بلاك، حابب تضيف اي رأي لملف حالة السيد سميث؟
مكونتش قادر افكر، قلت:
- آسف..محتاج أستأذن، اعتقد إن جالي برد.
قومت ووقعت الكرسي وورايا، خبطت في دكتور دونالد..لازم ابعد من هنا، لازم.
جريت من الأوضة روحت الحمام، غسلت وشي يمكن افوق. لقيت دكتور دونالد داخل ورايا وهو قلقان وبيقول:
- إيرك؟ إنت كويس؟
بصيت لعينيه الطيبة الدافية وهزيت راسي، مكانش عندي كلام يتقال. غمضت عينيا وبدات أعد من عشرة لواحد يمكن أهدا.أتنفست ببطء، بدأت دقات قلبي تتضبط. هديت نفسي علشان أعرف أرد عليه.
- آسف جدا...أنا خيبت أمل الفريق كله فيا..أنا مش مضبوط والدينا ملخبطة جدا معايا..أنا تعبان..
- طيب ليه ما أخدتش أجازة مرضي؟
- أنا أخدت أجازات كتير أوي، ولسه هاحتاج أجازات تاني علشان ولادة بريا. حامل في توأم وتعبانة فمش عايز أستهبل وآخد أجازات مالهاش لازمة دلوقتي.
- شكلك مش تمام يا إبني. خليني اكون صريح معاك، أنا شوفت مرضى إنتحروا كانت حالتهم أحسن منك كتير. تحب تتكلم معايا شوية؟
- أنا..أعتقد إني بفقد عقلي...
- ممكن تشرح أكتر؟
- عندي هلاوس مرعبة، مش قادر أبعدهم عن دماغي. شكلي هافضل هنا على طول بس كمريض مش دكتور.
- ماتقولش كده..ممكن تكون بتعاني من بعض المتاعب أو الضغوط الشديدة. هاكلم بوب ونشوفلك أدوية تساعدك شوية، بعدها تروح بيتك ترتاح. إنت مش هاتفيد حد هنا بحالتك دي.
أخدني دكتور دونالد لمكتبي وجابلي كوباية مية وفتحلي الشباك وسابني أهدا شوية لوحدي. جابلي بعدها علبتين دوا أخدت قرص من كل واحد بسرعة.
أكيد أنا بتجنن..أكيد..
كنت عايز أعيط، بس مكانش عندي أي دموع. فضلت قاعد مكاني أبص على المبنى القديم من الشباك.
________________
اما رجعت البيت بريا مكانتش موجودة، دخلت نمت ماحسيتش بالدنيا إلا بليل. قومت لقيت بريا بره قاعدة مع أختها راشيل والكلب قاعد عند رجليها. ابتسمت لي راشيل أما دخلت عليهم، لكن بريا كانت بتعيط.
رجعت سريري تاني، هاعمل إيه؟ بريا حواليها عيلتها ساندينها، بس أنا لوحدي تماما، وتعبان.
__________________
الايام بتعدي، والهلاوس مستمرة..الوقت كان بطيء جدا ولزج، كنت بحاول أتصل ببريا في شغلها كذا مرة بس كل مرة يزعقولي ويقولولي مشغولة.
في يوم كنت خلصت شغل بدري فنزلت أتمشى شوية، ورجليا أخدتني عند المبنى القديم الي كان الطاووس قعد على سوره ونافش ريشه. 
إتخضيت اما حسيت بإيد السيد سيمث على كتفي. في الأول ماعرفتوش، بعد ما ركزت افتكرت إنه مريض عند دكتور دونالد، فابتسمت له.
- محتاج حاجة يا سيد سميث؟ آسف إني خرجت من جلستك كنت تعبان.
- لا ماكونتش تعبان، إنت شوفته.
السيد سيمث كان بيعاني من متلازمة كورساكوف وإضطراب ثنائي القطب، وكان بيميل للعصبية والإصابة بنوبات عنيفة بيكسر فيها أي حاجة قدامه. سألته:
- شوفت إيه؟
- القط..قط سيرسي..أنا شوفت إنك شوفته.
- ...آسف؟
- دكتور بلاك..دكتور بلاك..إنت بتمثل علينا بس إحنا عارفين إنك شوفته.

استسلمت، ايا كانت القوى المظلمة المسحوذة على المكان، فالكل أجمع على وجودها.كفاية مراوغة. قلت له:
- ماتقلقش، إنت بتتحسن وهاتخرج من هنا قريب جدا، لقينا لك مجموعة علاجية من البيت.
- مش مهم، كلنا بنسمعها بليل بتقول نفس العبارة..العاصفة جاية..ومافيش مكان نقدر نستخبى فيه من العاصفة.
- ماتقلقش هاتكون في امان.
- بس إنت لا.
- عارف.
بعدت عن الرجل ومشيت جنب مبنى سريسي القديم، بلمس الحيطان واحاول افهم هي عايزة مني إيه..حسيت إني ممكن اشوف أشباح كل الي ماتوا هنا، كل الهنود الحمر الي إتبحوا والسود الي إستعبدوا..بس كل الي حسيت بيه كان مجرد طلاء جاف مقشر.
سنت راسي على الحيطة وهمست للكيان القدين الي ساكن المكان، كلمته بكل الاسماء الي اعرفها عنه وطلبت منه يغفر لي كل الذنوب الي اقترفتها في حق ربنا وحق الناس. ماجوبش عليا إلا الريح..
الحيطة إتفتحت قدامي وطلع منه ديدان ولوامس سودا بشعة..سيرسي مابقتش بتستحبى في الظلال ولا بتظهر في الأحلام خلاص..
جسمها كان متغطي بالحشرات، وفي رحمها مئات الأارواح المعذبة الي ماتت في سيرسي..قال لي:
- إيريك..إنضم لنا..
جريت ناحية موقف العربيات، آندي وجون كانوا واقفين جنب عربية جون مستنييني. جريت عليهم وركبت لعربية بسرعة بدون ولا كلمة. إما إني مجنون رسمي وإما إن في كيان شيطاني مستعبدني..مالهاش حل تاني.
الإحتمالين بشعين..
ماينفعش أكون نيكّا الي بيدور تحت سريره عن الشياطين الي عايزة تسرق فلوسه..
ركبت آندي العربية وسألتني:
- مالك بتجري من إيه؟!
- معرفش..معرفش..
كنت بترعش وبتهز..سألني جون:
- في إيه؟!
- أنا إتجننت.
سألتني آندي في قلق:
- إزاي؟!
إتفتح في الكلام، في التفاصيل والدم والموت وكل حاجة كان مستحيل أحكيها للإتنين دول بالذات من ست شهور. من وقت للتاني كانت آندي بتشهق في ذعر، وجون كان بيكشر أو يغمض عينيه..
حكيت عن كل حاجة بما فيها القط..كنت عارف إن حكمهم عليا مش هايخرج عن كوني مجنون أو ملبوس.
نزلت آندي من كرسيها وقعدت جنبي على الكنبة الخلفية وحضنتني. همست لي:
- إنت مش مجنون لا..جون، احكيله اللي حكيتهولي. أنا ماصدقتش جون أما حكالي هو كمان من أسبوعين، بس كنت بسمع حكايات تفاصيلها واحدة من المرضى..نفس الحكاية! ايه الصدفة الي ممكن تكون جمعت كل دول على قصة واحدة؟!
قال جون:
- من إسبوعين، إكتشفت إني بطيء شوية في التحصيل وماكونتش ملاحق أعمل الشغل الوريق الي كاسي بتطلبه مني. قولت أتأخر شوية علشان الحق نفسي، قعدت يومها لحد يمكن عشرة بليل ومكانش في أي دكاترة غيري، التمريض بس. قولت أطلع أبص على روي كمان لأن كان تعبان الفترة الي فاتت. كنا بنديه كمية أدوية كبيرة علشان كان بيشتكي من هلاوس قوية جدا، بس للأسف الأادوية مكانتش مأثرة. المهم قولت أطلع أبص عليه مالاقيتهوش. ده طبعا مش معقول لأانه محبوس في الدور التالت وماينفعش يطلع براه أبدا..ده مجرم خطر المفروض. فجريت أدور عليه في كل حتة، ولقيته ماشي مع كاسي في الضلمة. إستخبيت ومشيت وراهم معرفش ليه. المفروض كنت أنادي الأمن، بس الي حصل بقا.. المهم مشيت وراهم لحد المبنى المهجور، نفس المكان الي وديتك له، مانزلوش بقا بدروم ولا حاجة، دخلوا خطوتين بس ولقيتها....فاهم طبعا..المهم بعد الي حصل لقيتها بتترجى روي يتسدعي الشيطان الي بيدعي إنه خلاه يقتل أهله! سمعتها بتنادي كاسك ولا كال وملا إسمه إيه مش فاكر..ماكونتش عارف أعمل إيه. رجعت المكتب جري واتصلت بآندي في بيتها بس أعتقد إنها ماصدقتنيش. من ساعتها وأنا عمال اسأل المرضى واتحرى، ولقيت عدد كبير منهم بيقولوا إنهم ناموا معاها في المبنى القديم.بعضهم وصف لي البدروم وبعضهم قال إنهم عملوا كده بره. الأعجب بقا إن في مريضات زعموا إنها عورتهم وأخدت دمهم عملت بيه طقوس في نفس المكان. مش ممكن تكون كل دي هلاوس من مرضى معزولين عن بعض.
قلت في سخرية مريرة:
- الله! يعني نمت مع نفس الست الي نام معاها السيد السمين!
ضحكت آندي:
- السيد السمين ماقالش حاجة عنها ماتقلقش. بس كلهم كانوا عارفين الي بتعمله.
- أنا ضعت صح؟!
- الي مجنني إزاي المخبولة دي فضلت شغالة طول السنين الي فاتت في المستشفى؟!
قال جون:
- مش مهم، انا هانقل الكلام ده لدكتورة بابكوك بكرة، وكتبت تقرير مايخش الميه عن سلوكها المهني.ىأيا كان الي بتهببه فخلاص هايخلص على إيدينا. خصوصا لو شهدت إنها نامت معاك.
قلت له:
- ماعادش في حاجة أخسرها خلاص..بريا عارفة، وانتم عارفين..ممكن تحكي لبابكوك عني بكرة بس مش هاقدر آجي معاك، مش هاقدر أحكي تاني.
فجأة ضربتني آندي على كتفي وقالت:
- وإنت يا جاموسة إنت إزاي تخون بريا!
- أنا كنت جاموسة فعلا من سنين..إنتم عارفين ده..الطريقة الي كنت بعاملهكم بيها والي كنت شايف كل حاجة من خلالها..بس أنا إتغريت دلوقتي، الي حصل رعبني.. ربنا عارف قد إيه كنت ضال ومش شايفه وشايف نفسي أعلى قوة في الكون..
فضلنا ساكتين طول الطريق، مكانش في حاجة تانية تتقال.
مشاعرنا كانت غريبة، حزن وخوف، غضب وخيبة أمل..
محدش فينا كان عايز يواجه كاسي، بس خلاص آندي وجون هايقابلوا بابكوك بكرة ومافيش مفر. كاسي هاتكدبنا وهاتقول ان المرضى بيهلوسوا، وغالبا المرضى هاينكروا شهادتهم خوفا منها. هاتكون معركة طويلة وخطيرة هاتعرض مستقبلنا للخطر.

Comments

Popular posts from this blog

إهداء- ‏ستيفين ‏كينج- ‏ترحمة: ‏شيرين ‏هنائي

عشرة ‏أيام ‏في ‏مصحة ‏عقلية ‏- ‏تأليف ‏نيلي ‏بلاي (كامل)‏

الغلاف ‏الأخير- ‏شيرين ‏هنائي