الحلقة الأخيرة- سيرسي
سيرسي!
تأليف: جيسيكا بينوت
الحلقة الأخيرة
أول حاجة عملتها اما طلعت التالت هي إني أزور روي.
الولد حالته سائت من ساعة ما جون مشي، بقا بيجرح نفسه أكتر وفي جسمه فوق العشرين جرح متخيط.
أما دخلت عليه الأوضة ابتسم وقال:
- أخيرا جيت؟!
- أكيد..مش أنا وعدتك ما أتخلاش عنك؟
جري روي عليا وحضنني، سيبته يبكي على كتفي، مكانش في سبب يخليني أمنعه، الولد كان مكسور وضايع.
- شكرا!..دكتور بلاك..أنا هموت النهاردة!
- بتفكر في الإنتحار؟
- لا طبعا..هو أنا ناقص ذنوب.
- أمال ليه معتقد إنك هاتموت النهاردة؟
- هي قالت لي إنها هاتيجيلي.
- كاسي؟
- سيرسي.
شاور على الجروح في جسمه وكمل:
- هي الي عملت فيا كده.. تفتكر هاكون عورت نفسي إزاي وممنوع علينا حتى المعالق المعدن؟ عموما انا مجنون ومحدش هايصدقني. بس هي قالت لي إنها هاتخلص عليا الليلة.
مسح مناخيره في كفه وقال:
- انا مش عايز أموت..عايز أشوف أخواتي البنات، عايز أقولهم حقكوا عليا. لو مت النهاردة هاتخدني جهنم ومش هاشوفهم تاني لا دنيا ولا آخرة.
- ماتقولش كده.
- ما اقولش إيه؟ أني مش هاروح جهنم؟ تفتكر ممكن ربنا يسامحني؟ ممكن يعفر لواحد كسر جمجمة أحته الي عندها اربع سنين؟ انا استدعيت كال وهو جه، وهاييجي ياخد روحي النهاردة.
- طيب إزاي ممكن أساعدك؟
- خد مراتك واهربوا. ماتروحوش مستشفيات، ماتروحوش لدكاترة، اهربوا وانقذوا أولادكم.
- مراتي ماشية، والدتها هتاخدها النهاردة،إنت بس قول لي أعمل إيه يساعدك؟
- إحنا خلاص يا دكتور، العوض على الله..في ذنوب كده ماتتغفرش.
روي بكى تاني وفضل يصلي، قعدت معاه شوية بعدها مشيت. كلمت التمريض واتفقت معاهم على مراقبته 24 ساعة لإحتمالية انتحاره، بس كنت عارف إن ده مش هاينقذه.
المرعب إن كل المرضى في المستشفى كانت عندهم نفس الضلالات دي النهاردة، حتى الي كانوا مصابين بالكاتاتونيا ومابينطقوش ولا واعيين لحاجة فضلوا يهمسوا: سيرسي سيرسي..
سيرسي كانت معاهم كلهم، بتنام على سرايرهم، بتهمس لهم بحكاياتها بلليل. من إمتى والسيد نيكّا بيقول إن الشيطان بيدور عليه؟ من إمتى والسيد السمين بيدعي إن الشيطان هو الي بيأمره ياكل كده؟
الكل كان عنده نفس الشيطان، والكل كان بيطلب مني أهرب.
ما أشتغلتش اليوم ده أكتر من أربع ساعات، مش قادر اكون الشخص الي عايزينني اكونه، مش قادر أكون المصلح الي هاينقذ مستشفى من الإنهيار.
كان لازم اقابل سيبل. سوقت عربيتي بسرعة وتجاهلت كل إشارات المرور. كنت لازم أنفذ وصية بريا، والأهم كنت محتاج تفسير لكل ده..محتاج تعويذة أو كتاب أو صلاة اواجه بيها المجهول، محتاج أعرف نقطة ضعف المسخ الي قدامي.
___________________
سيبل كانت قاعدة على كرسي هزاز قدام بيتنا في انتظاري. مكانش في اطفال وحواليها ولا أي أثاث من اي نوع. كل حاجة إتشالت أو أتعبت في صناديق.
قعدنا على الأارض، مكانش في كراسي حتى.
سيبل كانت متغيرة، شعرها منكوش ولبسها مش مهندم، وزنها زاد شوية وبشرتها بقت شاحبة ومبقعة..يمكن كل ده بسبب إنها مش حاطة مكياج؟ يمكن..
- إنت جيت علشان النهاية بدأت.
- ايوه.
- عايز إيه؟ شافني ممكن اعمل لك إيه؟
- انت ساحرة، مش كده؟ ماتقدريش توقفي المسخ ده؟ او على الأاقل تقوليلي انتصر عليه إزاي؟ تقدري تقوليلي هو عبارة عن إيه؟ شبح؟ شيء من صنع كاسي؟
- هو واحد من الكتير الراقدين تحت سطح العالم..كيان قديم، أقدم من الأرض نفسها. هو إختار بيته قبل ما كلنا نيجي هنا..الناس الي سكنوا البلد دي قبلنا تحاشوا مكان سباته، واما الأوروبيين وصلوا أمريكا ناداهم وعلشانه بنوا القلعة القديمة. قلعة لاكونكاي دايما كانت مختلفة..وأي إسم يطلق على القلعة دي بيكون دايما إسمها.. كانت بتروح للناس في الأاحلام وتفسدهم بوساوسها، بس دلوقتي إتحررت وبتدور عليك.
- إزاي أتخلص منها؟
- فاكر إن ممكن تخلص منها؟ قلت لك إنها كيان قديم أقدم من الأرض نفسها، وإحنا بالنسبة لها ولا حاجة..ولا حاجة!
- تقدري تغيري المستقبل؟ ممكن أستخدم رؤياك المستقبلية لتغيير المستقبل؟
- ممكن أجاوب سؤالك ده بقصة..قريت أوديبوس ريكس؟ قصة أوديب المشهورة..قبل ما أوديب يتولد، اهله راحوا لمُتنبئة، وقالت لهم إن ابنهم هايقتل أبوه ويتجوز أمه. حاولوا يوقفوا نبوئتها دي بأنهم سابوه تحت سفح جبل علشان يموت لوحده. شخص لقاه ورباه وأما كبر قتل أبوه من غير ما يعرف إنه أبوه، وإتجوز أمه لأنه مايعرفش إنها أمه. كل ماتحاول تغير المستقبل بتلف تلف وترجع لنفس المصير المكتوب لك.
- طيب بريا..هاتكون بخير صح؟
بدات أبكي، كرهت نفسي علشان ببكي كده قدام واحدة ماعرفهاش، بس ماكونتش قادر اوقف الدموع.
- بريا ست فاضلة، والموت بيدي السلام لكل الي يستحقه..الجسم ضعيف، والروح خالدة.
- يعني إيه الي بتقوليه ده؟! بريا هاتكون بخير؟
هزت سيبل راسها يمين وشمال، مسكت كتافها وشديتها وصرخت فيها:
- انطقي!
- بحلول ليلة بكره، هاتكون مع أولادها في الجنة.
- إنت حيوانة! لو قتلت كاسي هاقدر انقذها؟!
- تفتكر إن كاسي عندها كل القوة دي؟
- طيب أجيب كاهن؟ طارد شياطين؟!
- إنت شوفت أفلام كتير، إنت فاكر إن كل المسوخ ممكن تنهزم علشان هوليوود شايفه إن ده ممكن؟ إنت فاكر إن سيرسي مسخ او شيطان؟ آلهة العالم القديم ماعندهومش جسم يتقتل، ولا روح تموت.
- أحرق المستشفى؟
- ممكن تكسر إيديك وانت بتضرب الحيطة، بس الحيطة هاتفضل سليمة.
- طيب قوليلي أتصرف إزاي؟ لو انتحرت الموضوع هانتهي؟
- هاتلاقي غيرك. إنت مش مسخها الوحيد.
- أنا مش مسخ! انا ما أّذيتش حد!
- إنت مسخ وأنت عارف ده كويس..توبتك كدب وندمك مجرد كلام.
بيت حواليا لبيت سيبل الفاضي وللصناديق الي حوالينا. كنت بترعش..
- إنت رايحة فين؟
- المكان ده ملعون، هاروح أي مكان أمان.
- إيه الي هايحصل هنا؟
- العاصفة جاية.
- يعني إيه؟؟
- معرفش أكتر من اللي قولته.
- طيب كاسي هي الي عملت كل ده؟
- ماتلومش كاسي،لوم نفسك..أنا بلومك..فسادك هو الي ايقظ الوحش!
- انا مش مصدقك!
- لو قتلتك، هل عدم أيماني بالموت هايخليك ماتموتش؟!
- لو بتكريني اوي كده ليه وافقتي تقابليني؟
- علشان مراتك صعبانة عليا وكنت عايزاها تعرف إن دايما في نور وسط الضلمة. ماكونتش عايزاها تقلق على نفسها ولا على ولادها. قل لها ماتقلقش، قول لها إن طيبتها ربنا عالم بيها وهاتتكافيء عليها أضعاف. أرجوك بلغها ده.
بعدت عنها، تعبت مت السحرة والمستبصرين، كنت عايز أرجع البيت لمراتي وامسح كل أثر لسيبل وكاسي وسيرسي وكل الكيانات القديمة والشياطين.
سوقت بأسرع ما يمكن، اتصلت بالبيت من موبايلي بس محدش رد..بعدها مابقاش في شبكة.
وصلت البيت كان الكلب واقف ينبح قدام الباب. كل حاجة شكلها كان طبيعي.
جريت على البيت وسمعت بريا بتصرخ! قلبي وقع في رجليا، مافيش وصف يقدر يوصل لي حسيت به ساعتها. كنت خايف اروحلها، خايف الاقيها مع سيرسي..خايف من معاناتها.
دخلت البيت لقيت صدف حاضناها وبريا مايلة لقدام بتعيط وبتترعش وهي ماسكة بطنها.
سألت صدف:
- إيه الي حصل؟!
- من تلت ساعة بطنها وجعتها بالمنظر ده. كلمت الدكتور وقال لي اتصل ب 911. لسه هاتصل بيهم اهو بس البنت هاتموت مش عارفة أسيبها!
- إسعاف؟! محدش يتصل بالإسعاف هايودوني المستشفى وانا عايزة أمشي من هنا..عايزة أمشي من هنا.. بتقتل ولادي!
حضنتها وقلت لها:
- لازم تروحي المستشفى.
- هي يا إيريك..هي الي بتعمل كده فيا..ابعدني عن هنا أرجوك!
كانت بتصرخ وصراخها واصل لعضمي. صدف كانت بتتصل بالإسعاف من الأوضة التانية. وقعت بريا على الأرض وهي بتصرخ وبدأت تصلي. حسيت بقلة الحيلة..دخلت الاوضة اجيبلها حاجة تتغطى بيها وهي رايحة المستشفى، خرجت لقيتها ساكتة. كانت بتتنفس نفس سريع وحرارتها مرتفعة وجسمها عليه طفح جلدي احمر. إيدها كانت متلجة.
- لازم نمشيها من هنا!
شيلت بريا بين إيديها، صرخت صدف:
- ماتلمسش بنتي! ماتحطش إيدك عليها تاني!
- لازم نخرجها من هنا!
- الإسعاف جايه هاتاخدها..البنت كانت تعبانة وبدل ما انت توديها المستشفى من بدري رميتها لحد ما وصلت للحالة دي.
- هي الي كانت عايزة تلم حاجتها وتمشي ومش عايزة تروح مستشفى!
شيلتها وجريت بها على الباب، صدف فضلت ترمي عليا أي حاجة إيدها تطولها وهي بتعيط:
- إنت رجل ناقص، أذيت بنتي..كل الي بيحصل لها بسببك! إستنى هنا الإسعاف جاية.
حطيت بريا على السرير، وهنا بدأت صدف تصرخ وهي باصة لصدري. بصيت لقيت المقيص غرقان دم، الطفح الجلدي على جسم بريا بدأ ينزف وغرقنا دم، الدم كان بينقط منها وينزل من بين شفايفها.
بكيت في هيستريا وضميت جسمها لحضني. حاولت أفتكر أي دعاء، ما افتكرتش إلا جمل بسيطة..مكانش عندي اي كلام اقوله لربنا..ماعنديش أي حاجة أقدمها له علشان ينقذ مراتي.
سمعنا صوت سرينة الإسعاف بتقرب، شيلتها وطلعتهالهم وركبت معاها وفضلت ماسك إيديها.
- بريا حبيبتي..سيبل بتقول لك إنك هاتلاقي النور في الضلمة، سيبل بتقول إنك والأولاد هاتكونوا في سلام..ماتخافيش..ماتخافيش..
__________________________
دخلت بريا أوضة العمليات فورا.
فضلت قاعد بره باكل ضوافري، الوقت مابيعديش، إيماني بالعلم والمنطق تداعى تماما، الغضب كان بيسري في عروقي زي الدم.
عايز مراتي ترجع لي..عايز ولادي..
- كاسي يا عاهرة..لو ماتت هاموتك..
عدت ساعات..
كنت بزعق وأشتم أي حد يقرب مني، كنت بكسر أي حاجة أعدي من قدامها..
عدت ساعات..وعينيا غمضت غصب عني...
شميت ريحتها قبل ما أشوفها، حسيت بالخنافس بتطلع على رجليا..مشمهم لو الناس شافتني مجنون، كلمتها..
- إنت الي عملتي كده؟
كانت جين قاعدة جنبي في هدوء..كانت زي الملايكة..قامت ووقفت جنب سيرسي وبدات الخنافس تطلع على فستان جين..قالت جين في هدوء:
- إنت الي عملت كده..مش فاهم ليه؟ إنت بقيت واحد مننا..إحنا انقذناك!
حطت جين إيدها على كتفي وقالت:
- مافيش حاجة تخاف منها خلاص..سيب كل حاجة زي ماهي، كده أحسن..ماتقاومش..
فتحت عينيا، سيرسي كانت واقفة قدامي..كانت بتتغير، الخنافس بتختفي وبدالهم كان الطاووس على يمينها وكال على شمالها.
-إنتِ إيه؟
- أنا واحدة من الأقدمين..كنت هنا قبل العالم ما يتكون.
فتحت شفايفها الشاحبة، شوفت جوها عالم كامل مظلم عجيب..لدقايق كنت ببص لها في دهشة، كأني طفل مبهور بألوان ماشافهاش قبل كده.
أخيرا سألتها:
- إنت عايزة إيه؟ عايزاني اقتل كاسي؟ لو قتلتها هاتسيبي مراتي؟
قبضت بإيدها على أوردتها الشبيهة بالخراطيم السودا، ونزل منها سائل مقزز وصل للأرض. قالت لي:
- إشرب مني وهامنحك حياة أبدية، إديني ولادك ومش هاتموت ابدا.
- مش هاتاخديهم.
حسيت بإيد على كتفي، بصيت لقيتها ممرضة بتقول لي:
- يافندم..حضرتك كويس؟
رديت في عنف:
- لا مش كويس!
ممكن اكون إتجننت، ووراد أكون مجنون من الأول، وكل الي عيشته حلم..هو المجنون بيعرف إنه مجنون؟
دابت سيرسي في دمها الأسود على الأرض..
- يافندم.
- نعم؟!!!
- أنا بس شوفتك بتكلم نفسك فقولت لو تحب ننادي دكتور يساعدك؟
- لا..انا بتكلم وانا نايم عادي..شكلي غفلت.
- بس شكلك مكانش نايم.
- أنا كده، بنام مفتح..في حاجة تاني؟
- الدكتور عايزك.
________________________________
الفصل الثامن
خواء في البداية وخواء في النهاية...
حجر أودين
____________
الدم كام مغرق جزمة الدكتور، أعتقد إنه مكانش واخد باله.
كانت صغير في السن وذكي، لو في فرصة تانية كنا بقينا صحاب. ابتسمت له فبرقت لي صدف. الموضوع كان منتهي بالنسبة لي..
- الوقت كان إتأخر أما وصلت..المفروض كانت تيجي من يومين على الأقل..كان ممكن ننقذها. الجنين الأول مات من اربع أيام تقريبا واتحلل وعمل تسمم. حاولنا نخرج الطفل التاني بعملية قيصرية، لكن بمجرد ما فتحنا ضغط دم الأم نزل فجأة وللاسف إتوفت. سبب الوفاة تسمم حمل.
سيبتهم ومشيت من غير ولا كلمة. سوفت عربيتي وروحت سيرسي، ووقفت في الطريق أملا جركنين بنزين.
مكانش في أفكار.
مكانش في رد فعل..
مكانش في تحليل لأي معلومة عرفتها..
__________________
دخلت المبنى القديم شايل الجركنين، النهار كان بدأ يطلع. كسرت الباب برجلي ورشيت البنزين في كل مكان وخرجت ورميت عود كبريت.
النار إشتعلت فورا وبدأت التماثيل تذوب وورق الحائط يكرمش ويتقشر.
المبنى بدأ يأن وتهز، خرجت قبل ما ينهار.
مشيت للبرج القديم، كان الكل بيبص عليا من أول المرضى لحد الدكاترة.المرضى كانوا بيصرخوا والعاملين كانوا متجمدين مكانهم من الصدمة. غرقت البرج القديم بالبنزين وولعت الكبريت ووقفت أشوف قلب سيرسي بيتحرق.
روحت بعدها للساحة، الجو كان جميل والسما صافية والطاووس كان واقف فارد ديله وسط الزهور الوردية.
الناس كانت بتتجمع حواليا وافراد الأمن موجهين لي السلاح.
مش مهم..
مشيت ناحية السيد السمين واخدت منه سيجارة وقعدت وسط المرضى أدخن بمزاج واتفرج على سيرسي بتتحرق.
حط السيد السيمن إيده على رجلي وقال:
- برافو عليك.
صوت أجراس الإنذار بيرن بعيد.. المرضى بيجروا ويصرخوا في كل إتجاه..الأمن كان بيصرخ فيا..
قعد السيد نيكّا جنبي وولع سيجراته من سيجارتي وقعدنا إحنا التلاتة زي الصحاب، رايقين ومش هاممنا أي حاجة.
قال السيد نيكّا:
- كلنا مجانين في بعضينا..
- صح..
- بوب، الممرض الي في التالت، فتح دماغ روي أمبارح موته. بس أنا وإنت يا دوك عارفين ان الشيطان الي تحت السرير هو الي وسوسله يعمل كده.
- ايوه..أنا ولعت بقا في الشيطان.
- تبقا أجن مني يا عمنا لو فكرت إنك ممكن تحرق شيطان!
البوليس جه وحاوطنا، بعدوا صحابي المجانين عني وسحبني البوليس معاه. كنت عايز ادور على كاسي بس مش مشكلة، مسير الحي يتلاقى.
قعدت تمن ساعات في الحجز ماكونتش شايف قدامي إلا جثة بريا. لسه حاسس بكفوفها في إيدي..لسه سامع صوتها بتترجاني ابعدها.
لسه دمها ملصخ قميصي وإيديا.
_______________________
جيريمي هو الي جه واخدني من القسم. الرجل كان مفزوع اما شافني في الحجز وغرقان دم.
شدني وحضني، بس ماقدرتش اردله الحضن. كنت ببص لكل حاجة بدون أي مشاعر.
كنت سامعه عمال يرغي بلهجته الريفية الطيبة ويعزيني ويعتذرلي..بس كلامه بالنسبة لي كان كله ميت..زي بريا.
مجرد ما خرجنا من القسم سيبته ومشيت. سألني:
- على فين يا أخويا؟
- في حاجات لازم اخلصها.
- يابني جنازة مراتك خلال يومين وإنت رايح تولعلي في المستشفى! إحمد ربنا إنهم ما حجزوكش مراعاة لظروفك وضغطك النفسي. إتنيل بقا روح لحماتك اقف جنبها في المصيبة الي هي فيها.
- إتنيل إنت وإبعد عني..مش عايز اقتراحات من حد!
- عارف إنك موجوع، بس إنت دكتور وفاهم إن الي إنت ماشي فيه دع غلط. فكرك مراتك كانت هاتنبسط اما تمشي تولع في الدنيا كده؟
فكرت في بريا وطلبها إني اروح لسيبل...بريا كانت عايزاني اوقف المسخ ده..
- ايوه..كانت هاتنبسط..
______________________
عرفت مكان بيت كاسي..
كان بيت راقي زيه زي اي بيت في مستوى إجتماعي عالي. مجرد ما اقتحمت الباب كان كل شيء مختلف عن أي بيت شوفته في حياتي.
الحوائط متعلق عليها اقعة عجيبة من كل الحضارات القديمة. كتب عتيقة في كل مكان، مافيش أي حاجة عادية في البيت إلا صورة لكاسي مع رجل وطفل مبتسمين.
كاسي كانت لابسة روب حمام وقاعدة بتتفرج على التلفيزيون. جمالها كان ساحر فكرني بكل ذنوبي السابقا.
حست بوجودي لكنها ما إتفاجئتش. بصت لي، سألتها:
- كنت عايز أعرف ليه.
- ليه إيه؟
- ليه قتلتي عيلتي؟
ضحكت وقالت:
- انا زيي زيك، صعيفة..أنا مجرد أداة.
- قصدك إيه؟
- ده تمن العبور لحياة أبدية..انا كمان فقدت عيلتي..الم الفقد بيقل مع الوقت..سيرسي قتلت عيلتي، وانا الي فتحتلها باب موتهم.
- ليه كان لازم تقتلي بريا والأطفال؟ ليه ما قتلنينيش؟ ا،ا الي سيبتك وضيعت مستقبلك مش هي..ليه ما قتلتينيش؟!
كنت ببكي تاني ..اتمنيت يرجعلي خدر المشاعر الي كنت حاسس بيه.
- مكانتش أنا.
لكمتها في وشها، فضلت اضربها لحد ما وشها بقا كله دم. ركلتها في بطنها وفضلت اركلها لحد ما حسيت ان عضمها كله إتكسر. شيلتها ورميتها على الكنبة..كانت بتتنفس بصعوبة عين من عينيها كانت مقفولة تماما وغرقانة دم.
ضحكت! ضحكة شريرة غريبة رعبتني. قالت بصوت مبحوح:
- مش انا الي قتلتهم..إنت كنت معايا في البدروم ليلتها، إنت الي قتلت مراتك.
- كدابة!
- متخلف! طول عمرك غبي.. الأقدمين بيشوفوا جوه كل واحد وما يهمهومش كلام حد ولا الي باين عليه..وانت نايم معايا كنت بتفكر في إيه؟ في إنك بتحب مراتك؟! لا طبعا..كنت عايزها تختفي وسيرسي سمعت امنيتك وحققتها.
قعدت على الارض وبصيت لها، كانت كدابها، بس دايما كدبها بيلمس الحقيقة. قمت وركلت كاسي تاني وخرجت من بيتها.
فضلت ماشي في الوارع لحد ما تعبت ونمت على دكة. واضح إن حد طلب البوليس لأني كنت غرقان في دم بريا وكاسي.
آخر حاجة كنت بحلم بيها هي بريا والاولاد بيجروا ورا بعض وبيضحكوا على شط البحر.
صحيت لقيت البوليس بيجرني والمرةدي فضلت ف يالحجز ايام لا باكل ولا بشرب ولا واعي لاي حاجة.
جيريمي جه وأخدني المحكمة. بابكوك ومحامين المستشفى كانوا هناك، قدروا يخرجوني بشرط متابعة طبيب نفسي للتقييم.
___________________
بشكل ما حكايتي ما وصلتش للصحافة، ماعرفتش اي حاجة عن حتراق سيرسي..كل الي حصل هناك كأنه ماحصلش.
مارجعتش المستشفى تاني، واما رجعت بيتي صدف كانت اخدت كل حاجات بريا والكلب. جمعت انا حاجاتي وكان لسه دم بريا مبقع المكان. ماكونتش طايق المكان.
اخدت شنطي وروحت لجيريمي. قعدنا إحنا الإثنين على الشط وحط إيده على كتفي وما اتكلمناش في أي حاجة. فضلنا باصين للشمس وهي بتغرب.
________________________
ماكونتش باكل ولا بنام..جيريمي كان بيراقبني وانا بشرب وبدخن وانا حاضن دب فرو كانت جايباه صدف لأولادي ونسيت تاخده.
عدى الربيع والصيف، جيريمي كان بيحاول يعزم عليا بخروجه او سفرية تانية لنيو اروليانز. كنت دايما برفض، ماعادش في أي حاجة لها لازمة.
جون جه زارني مرة، قال لي إن بابكوك ماتت بتسمم أكل وإن في مدير تاني لسيرسي دلوقتي. حاول يفنعني اروح معاه التدريب الجديد بس انا رفضت.
مكاونتش مركز في باقي كلامه، ماكتش عايز اسمع حاجة..حاول يديني فلوس رفضت ومشيته ورجعت وضتي الضلمة تاني.
موسم الأعاصير جه، قالوا في الأاخبار إن الإعصار الي جاي قوي جدا..كنت عارف إسمه..كاساندرا.
كاسندرا كانت جايالي وجايبه معاها النهاية.
سيرسي عمرها ما نامت، كنت بشوفها وبشوف جين على الشاطيء.
الإعصار حسب النشرة كانت متوجه لفوريدا بعدها خلال ايام هايوصلنا.
خلال الأيام الي بقت العاصفة الساحل كان في فوضى. جرايم قتل، حيوانات مسعورة، حتى إن سيرسي إتحرقت تاني! نيكا حاول يحرقها كلها.
سألني جيريمي:
- هو فعلا زي ما حكت لي بريا إنك إنت وكاسي جضرتوا شيطان؟!
- انا مش مؤمن بالشياطين، بس كان في فعلا حاجة في سيرسي.
- ياعم الدنيا كلها إتلطت.. واحد صاحبي هنا قتل مراته إمبارح، بعدين موضوع الإعصار العجيب ده..هو ده له علاقة بموضوعك؟
- معرفش..بس لو كنت مكانك كنت هاروح أدور على بروك واعتذرلها وارجعها بعدين آخدها وأهرب من هنا خالص.
- مش هاترضى ترجع.
- هاترضى..اما تشوف العاصفة جاية هاتفتكر إنك كنت دايما مخلص لها وكنت زوج طيب هاترجع. إنت بتحبها، قول لها إنك بتحبها وخاولوا تخلفوا تاني. هي بتحبك بس الحياة نستها.
- لو روحت لها، إنت هاتقعد هنا لوحدك؟
- ماتقلقش..عندي ميعاد.
____________________________
جيريمي سافر تاني يوم لمراته، راح يدور على حبه الحقيقي.
كل الي حوالينا كانوا بيقفلوا بيوتهم وبيسافروا لحد ما العاصفة تعدي. كنت شامم ريحة سيرسي في الهواء..
بليل جثث الأسماك النافقة ملت الشاطيء، الطيور كانت بتقع من السما، الحيوانات الميتة كانت مرمية على الطرق.
طلعت على الشاطيء، معايا بيرة وصورة بريا. قعدت على الرمل وسط العاصفة والبحر المجنون. مع الفجر السما بدأت تسود، والأماج تعلى وتعلى. مكانش في مطر، رياح عنيفة بس بتقلع الشجر من جذوره.
ماكونتش خايف، كنت بتفرج على جمال الموت وبهاؤه وقت مجيء كاسندرا.
كانت جميلة كعادتها، كانت لابسة كعب عالي على الرمل..ابتسمت لي وقعدت جنبي..قالت:
- خلاص.
- فعلا..
- هاتيجي معانا؟
- معاكم؟
بصت قدامي وشوفت جين وروي..مكانوش متأثرين بالإعصار..
في لحظة لقتنا كلنا في سيرسي. الرياح وقفت والزمن وقف. المستشفى كانت غايصة في الضباب كعادتها والطاووس فارد ريشه.
ابتسمت لي كاسي وفتحت الباب للمبنى القديم، دخلت وراها..كل ده كان طبيعي جدا بالنسبة لي زيه زي اي يوم زمان.
روي كان نضيف وجميل. قال لي:
- انا كنت غلطان، المكان هنا جميل وعمرك ما هتكبر ابدا وهايكون عندك كل الي تتمناه.
مشينا، وشوفت دكتور يوشي بيسلم على كاسي وبيباركلها على منصب المدير!
قال له:
- شكرا، فاكر دكتور بلاك؟هياخد مكاني القديم وروي هياخد مكان كاتي.
- جميل! جميل!
سابنا دكتور يوشي ومشي. سألـتها:
- هو ده بجد؟!
ردت جين:
- طبعا..المكان ده بتاعنا، طول عمره كان بتاعنا..إحنا أولاده.
اضاف روي:
- وحراسه.
قالت كاسي في تعاطف:
- انت عملت اللي المفروض يتعمل، واحنا كمان عملنا واجبنا. هاه..هاتنضم لنا؟
- مش فاهم، انت قتلتي مراتي وولادي..اخدتي كل حاجة!
- إنت إديتهوملي!
الصوت الي جاي من ورايا رعبني، غمضت عينيها ولقيت نفسي في الاوضة الي تحت سيرسي بس المكان مكانش ضلمة خالص، كل حاجة كانت مضيئة..\
قال الصوت:
- كانوا هديتي..
الكتابات على الارض كانت منورة، الدايرة مكانتش مرسومة بالدم، كانت مرسومة بالنور..على حافة الدايرةكان عالمنا بينتهي وبيبدا عالم تاني خالص ورا أي خيال.
- عمري ما اديهوملك هدية..
كنت حاسس بالدموع المحبوسة تحت جفوني..طبعا انا اديتهم لها هدية.
- انت نمت في دايرتي وبكل إخلاص اديتهوملي.
قدامي تجسدت سيرسي، جميلة وفي شكل بشري، وكال نايم على رجليها. حاليها كان عدد كبير من الأاشباح، قتلاها.
- إنت قتلتي كل الناس دي.
- كان لازم تفضل البوابة مفتوحة.
- بس ايه ذنب الناس دي كلها؟
- الموت هو بوابة العبور..
- وانتم ليه عايزين تعيشوا للابد؟
جاوبت جين:
- إحنا مش زي ضحايانا..الموت مش هايكون حنين علينا..طول عمرنا كنا عبيد آلهة من لحم ودم وسلطة.
- وانت يا جين ايديتهم إيه علشان تبقي هنا؟
- أولادي..إحنا هنا آلهة!
بصيتلهم..كلهم كانوا شبهي..كانوا زيي ودفعوا التمن..ولازم قصاد التمن ياخدوا مكافئتهم..
أخيرا قلت:
- أعتقد إني هافضل هنا معاكم..
خطيت جوه الدايرة وفهمت إن كل واحد مات له تمن لازم يتدفع..
ومابصيتش تاني ورايا.
Comments
Post a Comment